منوعات

معركة الوسطية مع الشيطان 

معركة الوسطية مع الشيطان 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد إن من مظاهر الوسطية في الإسلام هو الاقتصاد حيث قال تعالي ” ولا تجعل يدك مغلولة ” وقال تعالي ” لم يسرفوا ولم يقتروا” ومن مظاهر الوسطية في الإسلام هو في الحياة الزوجية وهو حديث ” يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ” وفي معركة الوسطية مع الشيطان يقول الإمام ابن القيم ومن كيد الشيطان العجيب أنه يشام النفس حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها قوة الإقدام والشجاعة أم قوة الإنكفاف والإحجام والمهانة؟ فإن رأى الغالب على النفس المهانة والأحجام أخذ في تثبيطه وأضعاف همته وإرادته عن المأمور به وثقله عليه.

فهوّن عليه تركه حتى يتركه جملة، أو يقصر فيه ويتهاون به، وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به ويوهمه أنه لا يكفيه وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة، فيقصر بالأول ويتجاوز بالثاني، فهناك قوم قصر بهم عن الإتيان بواجبات الطهارة، وكما أن هناك قوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد بالوسواس، وأيضا هناك قوم قصر بهم عن إخراج الواجب من المال، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما في أيديهم وقعدوا كلاًّ على الناس مستشرفين إلى ما بأيديهم، وكما قصر بقوم حتى إمتنعوا من ذبح عصفور وشاة ليأكلوه، وتجاوز بآخرين حتى جرأهم على الدماء المعصومة، وكما قصر بقوم حتى أهملوا أعمال القلوب ولم يلتفتوا إليها وعدوها فضلا أو فضولا، وتجاوز بآخرين حتى قصروا نظرهم وعملهم عليها، ولم يلتفتوا إلى كثير من أعمال الجوارح.

وإن التصور الإسلامي الصحيح يدرك أن تكاليف الإسلام ليست كلها على درجة واحدة من الأهمية بل فيها ما هو فرض وما هو نافلة، وفيها المتعدي النفع وفيها اللازم، وفيها ما هو كلي وفيها ما هو جزئ، والنظرة الوسطية تقتضي أن نقدم الفرض على النافلة، والمتعدى النفع على اللازم والكلي على الجزئي، وإن معرفة الأولى وإنجازه وتقديمه على ما هو دونه في الأولوية، أمر في غاية الأهمية وغيابه يوقع الناس في الكثير من السلبيات التي من أهمها هو الإستغراق بالجزئيات والتفاصيل والإنشغال بها عن الكليات والعجز عن رد الجزئيات إلى كلياتها والفروع إلى أصولها، وفهم العلاقة الدقيقة بينها، وأيضا تقديم النوافل على الفرائض، أو التحسينيات على الحاجيات، أو الحاجيات على الضروريات في مختلف جوانب الحياة وذلك لإفتقاد المنهجية الهادية.

والإفتقار إلى التفكير العلمي الرصين، والنظر الموضوعي المنضبط، وكذلك الميل إلى تجاوز الأسباب، وعدم الحرص على الأخذ بها إعتمادا على متوهم مع تجاهل أن الإرتباط بين الأسباب والمسببات إرتباط سنن حيث يقول تعالي ” ولن تجد لسُنة الله تبديلا ” وكما يقول تعالي ” ولا تجد لسنتنا تحويلا” وأيضا عدم التفريق بين الحق والرجال، وهو الأمر الذي يؤدي إلى رفض الحق إن جاء من غير ثقة، أو قبول الباطل إن صدر من ثقة ” وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه، فإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم” وكذلك الخلط بين ما هو ثابت وما هو متغيّر، فكثير من المتغيرات أصبحت ثوابت نسبة لذيوعها، وكثير من الثوابت حُوّلت إلى متغيرات نسبة للجهل بها، وأيضا عند غياب أسبقيات الفهم تحدث ممارسات خاطئة كثيرة تنطلق من إضطراب المفاهيم.

وبعدها عن الوسطية، فقد يختلط على الإنسان مفهوم التهور، بمفهوم الشجاعة، ومفهوم البخل بمفهوم الاقتصاد، ومفهوم الكرم، بمفهوم الإسراف، وتنعدم المساحات الفاصلة بين هذه المفاهيم وتضمحل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى