منوعات

مصر تدخل عصر الجيل الخامس: تأخّر استراتيجي أم انطلاقة مدروسة؟

مصر تدخل عصر الجيل الخامس: تأخّر استراتيجي أم انطلاقة مدروسة؟

بقلم: الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

مقدمة

في الوقت الذي تُطلق فيه دول الجوار خدمات الجيل الخامس منذ سنوات، ظلّت مصر في طور الإعداد والتحضير، ما أثار تساؤلات في الشارع المصري حول أسباب هذا التأخّر، خصوصًا مع ازدياد الاعتماد على الخدمات الرقمية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ولكن يبدو أن هذا الانتظار الطويل كان جزءًا من “خطة تأخّر محسوب”، توشك أن تؤتي ثمارها مع انطلاق الخدمة رسميًا في 4 يونيو 2025. فهل نحن أمام لحظة تحوّل رقمي حقيقية؟ أم مجرّد تحديث تقني تأخر عن الركب العالمي؟

أولًا: لماذا الجيل الخامس مهم؟

تقنية 5G تمثل تطورًا ثوريًا في عالم الاتصالات، حيث تتيح:

سرعات تصل إلى 10 جيجابت/ثانية.

تقليل زمن الاستجابة إلى أقل من 1 ملي ثانية.

إمكانية توصيل ملايين الأجهزة لكل كيلومتر مربع.

دعم تطبيقات المدن الذكية، الذكاء الاصطناعي، الجراحة عن بُعد، والسيارات ذاتية القيادة.

بمعنى آخر: الجيل الخامس ليس مجرد إنترنت أسرع، بل هو البنية الرقمية الأساسية لعصر الثورة الصناعية الرابعة.

ثانيًا: لماذا تأخّرت مصر؟

رغم وعي الدولة بأهمية التحوّل الرقمي، تأخرت مصر نسبيًا في إطلاق 5G لأسباب متعددة، أبرزها:

1. التحديات الاقتصادية والعملة الصعبة

الأزمة العالمية أثرت على الاحتياطات الدولارية، ما أدى إلى صعوبة في استيراد المعدات اللازمة لبناء البنية التحتية المتقدمة المطلوبة لشبكات 5G.

2. الرسوم الجمركية المرتفعة على الهواتف

فرضت الحكومة رسومًا جمركية تصل إلى 38% على الهواتف الذكية المستوردة، مما جعل نسبة الأجهزة الداعمة لتقنية 5G في السوق منخفضة. بل وتم حجب الشبكة عن بعض الأجهزة التي لم تُسدَّد عنها الجمارك، حتى وإن كانت كُتب عليها “صُنع في مصر”.

3. البنية التحتية غير المكتملة

شبكات الجيل الخامس تحتاج إلى نقاط بث أقرب وأكثر كثافة، بالإضافة إلى تغطية قوية بالألياف الضوئية (Fiber Optics). وللأسف، العديد من المناطق في مصر لم تصلها بعد هذه البنية، خصوصًا في القرى والمناطق الطرفية.

4. تأخر إصدار التراخيص

رغم توقيع الاتفاقات الأولية مع شركات الاتصالات الأربع الكبرى في أكتوبر 2024، لم تُمنح التراخيص النهائية إلا بعد مفاوضات طويلة مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. التراخيص كلفت كل شركة 150 مليون دولار، وهو استثمار ضخم تأخرت الشركات في حسمه.

ثالثًا: الإطلاق الرسمي في 4 يونيو 2025

تستعد مصر لانطلاق خدمة الجيل الخامس رسميًا يوم الثلاثاء 4 يونيو 2025، وتشارك في التشغيل:

فودافون مصر

أورنج مصر

المصرية للاتصالات

إي آند مصر (اتصالات سابقًا)

الخطوات التمهيدية:

أرسلت الشركات رسائل SMS لعملائها لإبلاغهم باقتراب الإطلاق.

تم توفير روابط توعوية تشرح كيفية تفعيل الخدمة على الهواتف.

بدأت الحملات التسويقية لعرض مميزات الخدمة، خاصة سرعة الإنترنت ودعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

رابعًا: كيف تعرف أن هاتفك يدعم 5G؟

خطوات بسيطة للتحقق:

1. من خلال إعدادات الجهاز:

اذهب إلى “الإعدادات” → “الشبكات” → “نوع الشبكة المفضلة”

إذا وجدت خيار 5G، فهاتفك يدعمه.

2. مراجعة مواصفات الهاتف أونلاين:

ابحث عن اسم الجهاز متبوعًا بكلمة “5G specs” على مواقع مثل GSMArena.

3. العلبة أو الكتالوج:

بعض الأجهزة تشير بوضوح إلى دعم 5G على العلبة.

4. الدعم الفني:

اتصل بخدمة العملاء لشركتك للاستفسار المباشر.

5. تطبيقات فحص الجهاز:

مثل CPU-Z أو Device Info HW لعرض كل خصائص الجهاز.

خامسًا: التحديات المقبلة بعد الإطلاق

رغم الحماسة، هناك عدة مخاطر يجب التعامل معها:

الأسعار: من المتوقع أن تكون باقات 5G مرتفعة مقارنة بباقات 4G، نظرًا لتكلفة التشغيل.

ضعف الانتشار الريفي: شبكات 5G قد تقتصر في البداية على المناطق الحضرية الراقية.

الأمن السيبراني: مع السرعة والاتصال المكثف، تزداد الحاجة إلى بروتوكولات حماية أقوى.

سادسًا: ما الفوائد المتوقعة لمصر؟

مع تفعيل الجيل الخامس، ستتغير ملامح القطاعات التالية:

التعليم: بث مباشر تفاعلي ومحاكاة افتراضية في الجامعات.

الصحة: جراحة عن بعد واستشارات طبية فورية.

الزراعة الذكية: عبر الحساسات المتصلة بالإنترنت.

الصناعة: رقمنة خطوط الإنتاج وتطبيقات الواقع المعزز.

المواصلات: دعم أنظمة المرور الذكية والسيارات ذاتية القيادة.

خاتمة

ربما تأخرت مصر عن اللحاق بركب الجيل الخامس، لكنها الآن تنطلق بخطى محسوبة، وسط بيئة تنظيمية أكثر نضجًا، واستعدادات مؤسسية وشعبية متزايدة.

تأخّرنا قليلًا… لكننا نعرف الآن كيف نحسم السباق.

فالتقنية وحدها لا تكفي.

إنما الرؤية + الإرادة + التخطيط… هي من تصنع الفرق في عصر الشبكات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى