صلاح شأن الإنسان هو أن يبدأ بنفسه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وإن من صلاح شأن الإنسان هو أن يبدأ الإنسان بإصلاح بنفسه قبل غيره، سواء من تقويم ونقد وتصويب وملاحظة، فإذا كان هذا فإنه عين الصواب، وإخلع أخي الكريم على نفسك ثوب التجريب وعدم القول.
فإنه ليس بمقدورك فعل هذا أو القيام بذاك، وإن حدثتك النفس إنك قادر على ما حوت أيدي الرجال فجرب، غير أنه لا يتم شيء بغير تخطيط، لذا نرى الفشل عند بعض الناس، فهم لا يقصدون الفشل أو يتلذذون به، ولا يعقل هذا، ولكنهم يفشلون في التخطيط السليم، فالناس لا يخططون من أجل الفشل ولكنهم يفشلون في التخطيط، ومن أصول التخطيط والتنفيذ هو أن لا تجعل التشاؤم يتسرب إلى عقلك مطلقا، إذ لا فائدة ترونها من وجوده، فالمتشائم لا ينظر إلا بعين الفشل والسوء، وبعين النقيصة ولا يرى من الليل إلا ظلامه، فلا يرى النجوم والقمر والسمر والهدوء، فإياك والمتشائم وإهرب منه ما كان الهروب ممكنا، والأفضل من الهروب أن تزيل تشاؤمه ما إستطعت، كي ينظر إلى الدنيا بعين الفأل، وإجعل أخي الكريم من قطرة الماء مثالا للتصميم.
فإن نقطة الماء المستمرة تحفر عمق الصخرة، فالمثابرة والصبر أمران لا غنى لك عنهما لتحقيق مأربك وتكوين كيانك، وبناء صرحك، فقيل وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، ولا تعيقك الشدائد والمصاعب عن تحقيق أمانيك، كي لا تبقى على هامش الحياة فتكون زائدا على الدنيا، وربما يرى بعض الذين تخونهم إرادتهم وفيصل حزمهم أن القعود عن الحاجات إنما هو عقل وروية، وكل ما يعترض الرجل يحتاج إلى شجاعة، وأساس الشجاعة أن يكون المرء ذا تقوى، فقد قيل وإتقي الله، فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل، وليس من يقطع طرقا بطلا، وإنما من يتقي الله البطل، وإعلم أن الطموح هو الذي يقودك إلى رتب عليا، لذا يجب أن يكون القلب بحجم الطموح كما ينبغي للطموح أن يكون صلبا، وليتخلق الإنسان بأحسن الخلق وأقومه.
ولا خلق كالكرم والجود، فقيل يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود، واعمل على أن يكون لك موطئ قدم في صنائع المعروف والخير ولا تتردد في أمر يقودك إلى المكرمات والإحسان، وهذا كله لا يأتي إلا من خلال النفوس السليمة، والنفوس السليمة لا تكون إلا بالترفع عن النقائص، وحفظ اللسان نصف المعروف، بل المعروف كله وإذا لم تستطع أن تفيد غيرك بفعل ما فاعمل على إفادته بتركك ما يضره، فعليك بأن تجعل لكل كلمة ميزانا تمر عليه فمقتل الرجل بين فكيه، ومن كثر كلامه قل إحترامه، والصمت من شيم الأكارم، فلا يقل أحدنا إلا ما هو خير وصحيح، ومن عادتي أن أسكت عما أجهله ومن أروع ما قيل لا أدري، ونصف العلم قول لا أدري، ولتجعل أخي من عاداتك أن لا تشكو لأحد، فلا مفرج غير الله تعالي.
وهناك أشياء يحبب كتمانها حيث قيل أن من كنوز البر هو كتمان المرض والمصائب والصدقة، والهموم لا تدوم، ولا تسلم أمرك لحسن النوايا دائما، إذ إن النفوس ليست واحدة، ولربما يؤخذ الانسان وهو في غفلة أو حسن نية، فيجر إلى أمور لم تكن لتحدث لو أنه كان منتبها وحذرا، فالحذر مطلوب، وقيل النية الحسنة عذر التصرف الأحمق، ولتكن لين الجانب فإن من لانت كلمته وجبت محبته ولا تؤخذ الأمور بغير الرفق فاليد اللينة تقود الفيل بشعرة.