أخبار مصر

صفقة غير معلنة

صفقة غير معلنة

 

بقلم : علي فتحي 

 

تواجه سوريا اليوم مرحلة سياسية معقدة يتداخل فيها الصراع الداخلي مع التدخلات الإقليمية والدولية مما يجعلها ساحة لتنافس العديد من القوى التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة وفي خضم هذه الأزمة تحاول شخصيات متعددة القيادة في معركة على السلطة لكن أحدث التحولات السياسية كانت في اختيار محمد البشير الذي يعتبر من الشخصيات الإسلامية والإخوانية البارزة رئيسًا للوزراء في سوريا يأتي هذا التعيين في وقت حساس يشهد فيه البلد صراعات متزايدة وتدخلات خارجية تؤثر على توازن القوى داخليًا وخارجيًا.

 

 

محمد البشير الذي ينتمي لتيار الإخوان المسلمين يواجه تحديات كبيرة في إدارة حكومة خلال هذه الأوقات العصيبة فشخصيته الإسلامية قد تثير مخاوف من تعميق الانقسامات الطائفية في سوريا التي تعد دولة متعددة الطوائف والاثنيات وبينما يروج البعض لفكرة أن وجود شخصية إسلامية في السلطة قد يؤدي إلى تغيير إيجابي إلا أن التساؤلات تظل قائمة حول قدرة البشير على توحيد المعارضة السورية الممزقة وتوفير حلول عملية للأزمة المستمرة ولا يمكن إغفال حقيقة أن البشير يفتقر إلى الخبرة السياسية والإدارية ما يزيد من تعقيد مهمته في قيادة سوريا نحو الاستقرار في ظل الظروف الراهنة ، إضافة إلى ذلك يبدو أن تيار الإخوان المسلمين يسعى اليوم إلى فرض سيطرته على المشهد السوري ويأمل في تحقيق مشروعه السياسي في بلد يعاني من انقسامات عميقة وتدخلات أجنبية فالإخوان الذين كانوا من أبرز فصائل المعارضة للنظام السوري في السنوات الماضية يجدون في الظروف الراهنة فرصة لتعزيز نفوذهم في الداخل السوري وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا الصعود السياسي خاصة أن مشروعهم في سوريا قد يقوّض فكرة الوحدة الوطنية ويعزز الانقسامات الطائفية والمذهبية وفي ظل هذه التطورات الداخلية تواصل إسرائيل توسيع نفوذها في الجولان السوري المحتل حيث تسعى لتأكيد سيطرتها على مناطق استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية فالتصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول استمرار الحرب حتى تحقيق الأهداف تؤكد أن إسرائيل لا تقتصر في تدخلاتها على الحروب العسكرية بل تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض يعزز من نفوذها في المنطقة ويأتي هذا التوسع الإسرائيلي في ظل الوضع السوري المتأزم وهو ما يزيد من تعقيد الأزمة ويضع البشير أمام اختبار صعب في كيفية التعامل مع هذا التهديد الخارجي .

 

 

إسرائيل التي تعمل على تعزيز وجودها العسكري في الجولان وتوسيع نطاق سيطرتها على الأراضي السورية لا تُعتبر فقط لاعبًا إقليميًا يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة بل أيضًا قوة تسعى لإعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة على حساب الشعب السوري الذي يعاني من الحروب والصراعات الداخلية ومن الواضح أن هذه التحركات الإسرائيلية لا تقتصر على السيطرة العسكرية بل تشمل أيضًا محاولات لتعديل المعادلات الجيوسياسية التي تهدد أمن سوريا وتمنعها من استعادة قوتها كدولة ذات سيادة ، وفي السياق نفسه تتزايد التدخلات الخارجية الأخرى حيث تسعى قوى إقليمية مثل تركيا والولايات المتحدة إلى فرض تأثيراتها على المشهد السوري مما يضع سوريا في مرمى أجندات دولية متعددة هذه القوى تتنافس من أجل تشكيل مستقبل سوريا وهو ما يجعل من الصعب على أي حكومة داخلية أو خارجية الحفاظ على استقلال القرار الوطني في ظل هذه التحديات فلا يزال الشعب السوري يعاني من وضع اقتصادي كارثي انهيار الاقتصاد السوري نتيجة الحرب المستمرة والدمار الهائل الذي أصاب البنية التحتية وارتفاع معدلات البطالة والفقر كلها عوامل تجعل من أي حكومة جديدة تواجه تحديات ضخمة وبالرغم من أن البشير قد يكون له دعم من بعض الأطراف الإقليمية إلا أن مهمته في معالجة هذه الأزمات تبدو صعبة للغاية خاصة في غياب الخبرة العملية التي تمكنه من اتخاذ قرارات استراتيجية تلبي احتياجات الشعب السوري ، ويكشف الاتفاق السري بين بعض فصائل المعارضة وإسرائيل عن عمق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها سوريا في الوقت الراهن حيث أصبح هذا التعاون بين المعارضة وإسرائيل أمرًا واقعًا يتم وراء الكواليس وتشير التقارير إلى أن هناك دعمًا عسكريًا وماليًا مقدمًا من إسرائيل لبعض الجماعات المسلحة في سوريا في إطار استراتيجية تهدف إلى تقويض النظام السوري وتفكيك قواته العسكرية ، ورغم أن هذا التعاون لا يتم الإعلان عنه علنًا إلا أنه يثير تساؤلات حادة حول مدى استعداد المعارضة السورية للالتزام بالاستقلال الوطني والرفض التام لأي تدخل أجنبي فالتنسيق مع إسرائيل قد يُنظر إليه من قبل بعض الأوساط كخيانة للقضية السورية وقد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية بين المعارضة نفسها ، خاصة في ظل وجود قوى خارجية أخرى تسعى لتوجيه مسار الثورة السورية وفق مصالحها الخاصة.

وفي هذا المشهد المعقد يظل السؤال المطروح هل سيستطيع البشير تحقيق النجاح في مهمته أم أن التيار الإخواني الذي يقوده سيزيد من تعميق الانقسامات في سوريا ويؤدي إلى مزيد من الفوضى هل سيظل الشعب السوري في دوامة من الحروب الداخلية والاحتلالات الخارجية أم سيجد له مسارًا نحو الاستقرار وبغض النظر عن التحديات الكبيرة التي يواجهها البشير تظل الحقيقة الأساسية أن سوريا بحاجة إلى قيادة تتمتع بالقدرة على التوحد والتعاون مع جميع مكوناتها السياسية والاجتماعية بعيدًا عن الانقسامات التي قد تؤدي إلى مزيد من الأزمات ، ففي ظل الأوضاع الداخلية الصعبة والضغوط الخارجية المستمرة لا يبدو أن البشير قادر على توحيد المعارضة السورية الممزقة أو تقديم حلول عملية للأزمة المستمرة فتيار الإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه يسعى إلى فرض مشروعه السياسي في سوريا وهو ما قد يعمق الانقسامات ويؤدي إلى مزيد من الفوضى في وقت تحتاج فيه البلاد إلى قيادة تستطيع توحيد الشعب السوري بكافة مكوناته السياسية والاجتماعية بعيدًا عن المصالح الضيقة والانقسامات الداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى