سوريا بين براثن الفوضى وصراع النفوذ : وطن يتآكل تحت أنظار العالم
بقلم : يوحنا عزمي
بعد أكثر من عقد من الحرب والصراع ، تقف سوريا اليوم على مفترق طرق خطير ، وسط تدهور أمني غير مسبوق ، ومشهد سياسي مشوه ، ومستقبل غامض يثير القلق لدى كل من يراقب مصير هذا البلد الذي كان يومًا قلب المشرق النابض.
من حكم الفرد المطلق لعقود طويلة إلى مشهد يتصدره الاقتتال الداخلي، والانقسامات الطائفية، والمليشيات المسلحة، تبدو الدولة السورية وكأنها تسير بخطى ثابتة نحو المجهول، في غياب واضح لأي سلطة مركزية قادرة على ضبط الأمن أو فرض السيادة.
لم تعد الأزمة السورية شأنًا محلياً أو حتى إقليمياً ، بل تحولت
إلى ساحة صراع دولي مفتوح. تتداخل فيها أجندات إقليمية ودولية : من إسرائيل التي تواصل قصفها لأهداف داخل الأراضي السورية ، إلى إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة ، وكل منها يحرّك أدواته وفق مصالحه ، دون أدنى اعتبار لوحدة سوريا أو سلامة أراضيها.
إلى جانب هؤلاء ، تنشط قوى غير دولية من تنظيمات متطرفة وميليشيات محلية ، بينها “داعش”، وفصائل كردية ودرزية باتت تمارس أدواراً شبه سيادية على الأرض ، في ظل ضعف الدولة المركزية ، وتآكل مؤسساتها.
النظام السوري ، الذي بقي في الحكم رغم الحرب والتدمير فشل
في بسط سيطرته الكاملة على البلاد ، أو مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ، رغم استعداده المعلن للتهدئة والتطبيع ، بل والانضمام إلى ما يُعرف بـ”اتفاقات أبراهام” التي طبعتها دول عربية خلال إدارة ترامب. إلا أن هذه التنازلات لم تُقابل بأي تخفيف للضغوط أو احترام للسيادة السورية.
في المقابل ، لا يزال الجيش السوري ، الذي كان يوماً ركيزة الدولة يعاني من الشلل التام ، وسط تقديرات تشير إلى أن إعادة بنائه قد تستغرق أكثر من عشر سنوات ، ما يضع البلاد في دائرة الخطر الدائم.
تزيد العقوبات الأمريكية من تعقيد المشهد ، إذ تخنق الاقتصاد السوري وتشل قدرته على التعافي. وبينما تضع واشنطن شروطاً سياسية صعبة لرفعها ، كضمان حقوق الأقليات والتحول الديمقراطي ، تغيب أي مراعاة لخصوصية المرحلة الانتقالية وتعقيداتها ، التي تجعل من تحقيق الاستقرار الأمني أولوية قصوى لا تحتمل التأجيل.
في ظل هذا المشهد المضطرب ، يطرح السؤال نفسه بقوة :
هل تستطيع سوريا النهوض من جديد؟ وهل يمكن للنظام الحالي الذي يفتقر للشرعية الشعبية وللكفاءة السياسية ، أن يقود البلاد نحو الاستقرار؟ أم أن سوريا باتت بالفعل دولة فاشلة ، تعيش على هامش النظام الدولي ، تنتظر فقط لحظة إعلان السقوط الرسمي؟
الوقت يمر ، والخراب يتسع ، والساحة السورية لا تزال مشرعة
أمام المزيد من التدخلات والانهيارات. وفي غياب حل سياسي شامل ، يبدو أن ما هو قادم قد يكون أكثر إيلامًا مما مضى.