أخبار مصر

التقارب المصري الأوروبي وأثره على أزمة سد النهضة

التقارب المصري الأوروبي وأثره على أزمة سد النهضة

بقلم المستشار/ محمد شادى

مستشار لجنة الدفاع والامن القوي بمجلس النواب سابقاً

أصبحت العلاقات المصرية الأوروبية خلال السنوات الأخيرة نموذجًا للشراكة الاستراتيجية القائمة على المصالح المتبادلة والرؤى المشتركة تجاه قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة.

وقد جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بروكسل لتؤكد هذا التحوّل وتضع أساسًا جديدًا لتعاون سياسي واقتصادي شامل بين مصر والاتحاد الأوروبي، حيث تحوّلت القاهرة من شريك إقليمي تقليدي إلى قوة فاعلة ومحورية في معادلة الأمن والاستثمار الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في هذا السياق، يبرز ملف سد النهضة الإثيوبي باعتباره أحد أهم التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري، وتنعكس تبعاته على المصالح الأوروبية في المنطقة.

ومع تعمّق الشراكة بين القاهرة وبروكسل، أصبح الاتحاد الأوروبي طرفًا معنياً ليس فقط باستقرار مصر، بل أيضًا بأمنها المائي الذي يرتبط مباشرة باستدامة الاستثمارات الأوروبية في البلاد.

أولًا: التحوّل السياسي في الموقف الأوروبي

زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل أعادت صياغة نظرة الاتحاد الأوروبي لمصر.

فقد أدركت بروكسل أن مصر تمثل خط الدفاع الأول عن أمن البحر المتوسط، وأن استقرارها شرط أساسي لاستقرار أوروبا.

من هذا المنطلق، باتت أزمة سد النهضة تُقرأ في الأوساط الأوروبية باعتبارها قضية أمن إقليمي، وليست مجرد خلاف فني بين دول حوض النيل.

الاتحاد الأوروبي، الذي يضع ثقلاً اقتصاديًا واستثماريًا متزايدًا في مصر، بات يرى أن تهديد الأمن المائي المصري هو تهديد مباشر لاستثماراته ولمصالحه الاقتصادية.

التحول في الخطاب الأوروبي تجلّى في البيانات المشتركة والتصريحات الرسمية التي تلت زيارة الرئيس السيسي، والتي أكدت على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي واتفاق المبادئ لعام 2015، ورفض الإجراءات الأحادية التي تهدد استقرار المنطقة.

وهذه المواقف تُعد مكسبًا دبلوماسيًا لمصر، لأنها تنقل القضية من نطاقها الإقليمي إلى سياق دولي أوسع تساهم فيه قوى كبرى مثل الاتحاد الأوروبي في دعم الحلول العادلة والمتوازنة.

ثانيًا: الاقتصاد كرافعة سياسية

الاقتصاد أصبح السلاح الأهم في يد الدبلوماسية المصرية.

فخلال الزيارة، تم الإعلان عن حزم استثمارية أوروبية ضخمة في مجالات الطاقة والمياه والبنية التحتية، تعكس الثقة الأوروبية في الاقتصاد المصري ورؤية القيادة السياسية نحو التنمية المستدامة.

هذه الاستثمارات لم تعد مجرد مشروعات اقتصادية، بل تحوّلت إلى أداة ضغط غير مباشرة تدفع الاتحاد الأوروبي إلى حماية بيئة الاستقرار التي تقوم عليها تلك الاستثمارات، أي حماية مصر وأمنها المائي والسياسي.

الاتحاد الأوروبي يدرك أن أي اضطراب في إمدادات النيل أو توتر في العلاقات بين مصر وإثيوبيا سيؤثر سلبًا على تلك الاستثمارات وعلى خطط التنمية في المنطقة.

لذا أصبح الاستقرار المائي لمصر مصلحة أوروبية خالصة، وهو ما يدفع بروكسل إلى دعم الموقف المصري في المحافل الدولية والدفع نحو حل تفاوضي مُلزِم لجميع الأطراف.

ثالثًا: الدبلوماسية المصرية وتوسيع دائرة التأثير

من خلال هذا التقارب، نجحت القاهرة في تدويل قضية سد النهضة دون تصعيد، مستندة إلى الشرعية الدولية والعلاقات الاقتصادية المتشابكة مع أوروبا.

الدبلوماسية المصرية وظّفت لغة المصالح المشتركة لتُظهر أن مياه النيل ليست فقط شريان حياة لمصر، بل عامل استقرار إقليمي.

الاتحاد الأوروبي، الذي يتخوّف من موجات هجرة غير نظامية أو اضطرابات أمنية محتملة نتيجة أزمات المياه، بات يرى في دعم مصر استثمارًا في استقرار البحر المتوسط بأكمله.

كما أن التعاون الفني المرتقب بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجالات إدارة الموارد المائية والطاقة المتجددة سيساهم في تقوية الموقف المصري فنيًا وتفاوضيًا، عبر بناء آليات شفافة للمراقبة والمشاركة في مشروعات تنموية مشتركة تضمن استدامة الموارد المائية.

رابعًا: الاتحاد الأوروبي كضامن دولي للاستقرار

من خلال تدفّق الاستثمارات وتنامي العلاقات السياسية، أصبح الاتحاد الأوروبي بحكم الأمر الواقع ضامنًا جزئيًا للاستقرار المصري.

فهو معني بحماية مشاريعه واقتصاده داخل مصر، ما يدفعه للانخراط في أي جهد دبلوماسي أو سياسي يهدف إلى تخفيف التوترات الإقليمية وحماية الأمن المائي المصري.

وهو ما يجعل القاهرة في موقع تفاوضي أقوى، إذ تحظى بدعم قوى اقتصادية كبرى قادرة على ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على الأطراف المعنية.

فى النهاية يبقى ان نؤكد ان التقارب المصري الأوروبي، الذي تبلور في زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل، لم يعد مجرد تعاون اقتصادي بل تحالف استراتيجي يقوم على إدراك مشترك بأن استقرار مصر هو استقرار لأوروبا.

وبينما تسعى القاهرة لحماية حقها التاريخي في مياه النيل، أصبحت بروكسل تجد في ذلك مصلحة أوروبية مباشرة، لأن حماية مصر تعني حماية استثماراتها وأمنها الجنوبي.

وبذلك، يتحول الاتحاد الأوروبي من مراقب إلى فاعل داعم لمصر في مواجهة أزمة السد، مساندًا لموقفها القانوني والسياسي، ومشاركًا في الجهود الرامية إلى حل سلمي يضمن العدالة المائية والتنمية المشتركة لدول حوض النيل.

إن ما حققته مصر من خلال هذه الشراكة يؤكد أن القوة الحقيقية لا تقوم فقط على السلاح، بل على القدرة على بناء التحالفات وتوجيه المصالح الدولية لخدمة الأمن القومي.

ومن هنا، يظل التقارب المصري الأوروبي نموذجًا ناجحًا في توظيف الدبلوماسية الاقتصادية لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى، على رأسها حماية أمن مصر المائي وضمان استقرارها الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى