حياة الأجساد وحفظها من التآكل والعفن
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد روي عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلي الله عليه وسلم، فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما، ويفسح له في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون، وأما الكافر أو المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس،
فيقال له لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه” فقوله صلى الله عليه وسلم ” يسمع قرع نعالهم، وقوله فيقعدانه، وقوله ضربة بين أذنيه، وقوله فيصيح صيحة، وقوله حتى تختلف أضلاعه” كل ذلك دليل واضح على شمول الأمر للروح والجسد، واعلموا يرحمكم الله من حياة الشهداء عند ربهم أن الحياة ليست قاصرة على الروح فقط بل تشمل حياة الأجساد وحفظها من التآكل والعفن، فقد روى مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن إستشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا
كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة، وروى الذهبي أن أبا طلحة رضي الله عنه غزا في البحر فمات فطلبوا جزيرة يدفنونه فيها فلم يقدروا عليها إلا بعد سبعة أيام وما تغير، ومنها أن من يكلم في سبيل الله يأتي يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك، ومنها أن الشهيد في الفردوس الأعلى من الجنة، بل إن الشهيد هو أول من يدخل الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه، ونصح لسيده، وعفيف متعفف ذو عيال ” رواه الترمذي.
ومنها أن الملائكة تظل الشهيد بأجنحتها، ومنها أن الشهداء لا يفتنون في القبور، فعن المقدام بن معدي كرب ” ويجار من عذاب القبر” ومنها أن الشهيد لا يشعر بألم القتل وسكرات الموت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة ” وكان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحض على القتال ويقول ” إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش” ومنها أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث مسروق قال سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية الكريمة ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ” قال أما أنا قد سألنا عن ذلك.
فقال ” أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل ” أي جعل الله تعالي أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، الملون بألطف الألوان وهو الخضرة، يأوي إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنورة والمفرحة في ظل عرش اللطيف الرحيم لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم فكيف يظن أنها محصورة، كلا والله إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليشمر المشمرون وعليه فليجتهد المجاهدون.
زر الذهاب إلى الأعلى