منوعات

حداثة السن طاقة هائلة 

حداثة السن طاقة هائلة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الولي المولى، رب الأرض والسماوات العلى، سبحانه يعلم السر وأخفى، وسامع النجوى وكاشف البلوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أقام الكون على مقتضى علمه ودبره بإرادته وهو العالم بما تبطنه الضمائر وما تخفيه السرائر وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، خير العاملين بدين الله رب العالمين وسيد الغر المحجلين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد إن حداثة السن طاقة هائلة يسعى صاحبها بكل ما أوتي من قوة إلى تصريفها، وحيث إنها كذلك فقد ينشأ عنها من الإندفاع ما يحدث الدمار والفساد إذا لم تستثمر الإستثمار الجيد، لأنها عواطف جياشة يفتقد أصحابها للعلم والحكمة، ولذا كان حدثاء السن عموما رصيدا هاما للأمم إذا قام الموجهون وعلى رأسهم العلماء بحسن توجيههم.

وقوة تحصينهم، وما لم يقم أهل العلم بتحمل مسؤولياتهم الكاملة تجاههم، فسنسمع عن صور إستقطاب لهم، وسوء إستغلال لقابليتهم للتوجيه والإنقياد بما يحولهم إلى قوة طائشة، وإندفاع متهور، يلحقان الضرر بأمتهم، ولاشك أن ضعف العقل وطيش الحلم، مظنة عظيمة لنشوء التكفير، وبيئة طبيعية لتفريخ العنف، خاصة إذا استحضرنا أن من أعظم خصائص العقل السليم الإستبصار والإعتبار، حيث قال تعالى ” فإعتبروا يا أولي الابصار” وقد جعل الله تعالي آيات كتابه كلها بصائر هادية فقال تعالي ” هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يومنون” وإن من أعظم ما يحقق الإستبصار العقلي الموازنة بين المصالح والمفاسد، ومراعاة مآلات الأفعال، ومراعاة مقاصد الشارع في الشرع، وكذا مقاصد الخالق في الخلق، ولا يماري أحد في أن كل ذلك لا مكان له عند ضعاف العقول، سفهاء الأحلام، وإن من أظهر علامات طيش التكفيريين.

هو أنهم لا يلقون بالا لما يترتب على تكفيرهم للأفراد من المفاسد الخطيرة والمتمثل بعضها في وجوب التفريق بينهم وبين زوجاتهم، وأنهم إذا ماتوا لا تجري عليهم أحكام المسلمين، فلا يغسّلون ولا يُصلى عليهم، ولا يُدفنون في مقابر المسلمين، ولا يورثون، وأنهم إذا ماتوا على حالهم من الكفر إستوجبوا لعنة الله وطردهم من رحمته، والخلود الأبدي في نار جهنم، وإذا تعلق هذا التكفير بولاة الأمور كان أشد لما ينشأ عنه من التمرد وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد أمور العباد والبلاد في دينهم ودنياهم، ولهذا توالى تأكيد النبي صلي الله عليه وسلم على المنع من منازعتهم، والخروج عليهم، فقد كان من أمر النبي صلي الله عليه وسلم لما أخذ البيعة من أصحابه على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وأثرة عليهم، وألا ينازعوا الأمر أهله، أن قال “إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان”

ولنتأمل ما في تكثير القيود التي إشتمل عليها هذا الحديث من الدلالات على خطورة الأمر، فقد أفاد قول رسول الله صلي الله عليه وسلم “إلا أن تروا” أنه لا يكفي مجرد الظن الناشئ عن تخرّص أو إشاعة، وأفاد قوله صلي الله عليه وسلم “كفرا” أنه لا يكفي الفسوق ولو كبر، كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار، والإستئثار بالمال، وأفاد قوله صلي الله عليه وسلم “بواحا” أنه لا يكفي الكفر الذي ليس بصريح واضح، وأفاد قوله صلي الله عليه وسلم “عندكم فيه من الله برهان” أنه لابد من دليل صريح، بحيث يكون صحيحا في ثبوته، قطعيا في دلالته، فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا محتمل الدلالة، وأفاد قوله صلي الله عليه وسلم “من الله” أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله وسنة رسوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى