السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد إن للعمل في الإسلام مكانة عالية ومنزلة رفيعة، به ينال الأجر والثواب، ولذلك عمل الأنبياء جميعهم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما ” كان آدم عليه السلام حراثا ونوح نجارا وإدريس خياطا وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجرا وداود حدادا وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول بشأن نبي الله داود عليه السلام ” ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ” رواه البخاري وأحمد، فنبي الله داود عليه السلام كان يعمل حدادا يصنع السيوف ونبي الله نوح عليه السلام كان يعمل نجارا يصنع الفلك.
حيث يقول تعالي ” واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ” ونبي الله موسى عليه السلام اشتغل برعي الغنم عشر سنين أجيرا في أرض مدين قبل أن يبعثه الله رسولا، ونبي الله زكريا كان يعمل خواصا، ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم كان يرعى الغنم في صدر شبابه على قراريط ثم إشتغل بالتجارة في مال السيدة خديجة بنت خويلد زوجته رضي الله عنها فيما بعد، فهؤلاء هم أقطاب النبوة وألو العزم من الرسل وقد شرفوا بإحتراف مهنة يعيشون على كسبها ويستعينون بها عن سؤال الناس فهذا هو خير الطعام، ولا ريب أن هؤلاء الرسل لم يكونوا أغنياء يجمعون المال ويكنزونه وإنما كان كل ما حصلوه وسيلة للعيش الكريم الذي يحفظ كرامة الإنسان ويقيه ذل السؤال ويصون ماء وجهه قبل أن يصون أنفاس الحياة وليس ذلك من أجل كثرة الغنى ويقول صلي الله عليه وسلم.
” وليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ” رواه أحمد والترمذي، ولقد إعتبر الإسلام العمل نوعا من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالي، فقد رأى بعض الصحابة شابا قويا يسرع الخطي إلى عمله، فقالوا لو كان هذا في سبيل الله، فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ” لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان ” فقد حكم رسول الله صلوات الله عليه وسلامه علي الرجل الذي يتفجر نشاطا وعافية يسرع الخطى نحو غايته وعمله إذا مات بأنه شهيد فالعمل في الإسلام ليس بظاهره وشكله وإنما ببواعثه وغايته لذلك جعل الرسول صلي الله عليه وسلم.
هذا العمل ومغفرة لذنوب العبد يقول صلي الله عليه وسلم ” من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفور له” ومع أن الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين ومع أن الصيام سر بين العبد وبين ربه يجزى عليه فيقول صلي الله عليه وسلم جاء في الحديث القدسي ” كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ” رواه البخاري، ورغم أن الصدقة تطفئ غضب الرب وتقي من الميتة السوء ومع ذلك هناك ذنوب لا تكفر بهذه الأعمال ولمن يكفرها العمل والسعي على المعاش، وإن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلا عن معانيه التعبدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الإجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي.
ولكن أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، وكأنها تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح والذي من وراءه بسط الرزق والتوازن الإجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح فيقول صلي الله عليه وسلم ” من سره أن يبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه ” رواه البخاري.