مستشار لجنة الدفاع والامن القوي بمجلس النواب سابقاً
لم تكن احتفالية “وطن السلام” بالعاصمة الإدارية الجديدة مجرد عرض فني أو مناسبة وطنية تقليدية، بل كانت مشهدًا شاملًا يعكس قوة الدولة المصرية وعمق رسائلها السياسية في لحظة إقليمية تتشابك فيها التحديات.
فمصر التي اعتادت أن تُعلن مواقفها بوضوح، اختارت هذه المرة أن تتحدث من خلال الفن والمشهد والرمز، لترسل للعالم رسائل دقيقة في وقتٍ لا يحتمل الضوضاء.
الرسالة الأولى: مصر تُعلن أن السلام هو القوة الجديدة
من قلب العاصمة الإدارية، ومن بين أيادي شبابها، أعلنت مصر أن السلام ليس ضعفًا بل وجهًا آخر للقوة.
فعندما تظهر الدولة بكل هذا التنظيم والانضباط والإبداع، فإنها تقول ضمنًا إنها قادرة على حماية السلام كما تحمي حدودها.
كانت الاحتفالية بمثابة تأكيد جديد أن مصر لا تبحث عن دورٍ مؤقت، بل تستعيد دورها التاريخي كقلبٍ نابض للعروبة وصاحبة رسالة حضارية ضاربة في عمق التاريخ.
الرسالة الثانية: الفن المصري يعود للصدارة
أما حضور الفنانين في الاحتفالية، فكان اختيارًا مقصودًا، لا يخضع لمجرد اعتبارات فنية بل لرسائل سياسية وثقافية واضحة.
لقد جاءت الفنانة آمال ماهر بصوتها القوي وعزتها المعهودة لتؤكد أن الفن المصري الحر لا يُقصى ولا يُشترى، وأن صوت مصر لا يمكن مصادرته أو توجيهه من الخارج.
كانت عودتها بمثابة إعلان رمزي أن من يبتعد عن الضوضاء يعود إلى وطنه مرفوع الرأس، لأن مصر لا تنسى أبناءها المخلصين.
أما الفنان محمد سلام، فعودته إلى المشهد الفني في التوقيت ذاته الذي شهد أزمته السابقة لم تكن مصادفة، بل رسالة سياسية وفنية بليغة.
لقد اختار سلام أن يقف اليوم على أرض وطنه، لا مدفوعًا بقناعة فنية عابرة، بل مدفوعًا بانتمائه وعروبته؛ فالمصري الحقيقي — كما كان دائمًا — لا يستطيع أن يحتفل بينما يرى أخوانه في غزه يتعرضون للتهجير أو الإبادة.
كانت عودته إعلانًا واضحًا بأن الانتماء ليس شعارًا، بل موقف، وأن من يتمسك بكرامته ومبادئه يجد دائمًا مكانه تحت راية مصر .
وهكذا، قدّم محمد سلام درسًا حين جعل من الفن منبرًا للمبادئ، ومن الظهور رسالة سياسية لا تقل وزنًا عن أي خطاب رسمي.
الرسالة الثالثة: مصر تتحدث بالفعل لا بالبيان
في زمنٍ تعلو فيه الأصوات وتضيع فيه الحقائق بين الشعارات، اختارت مصر أن ترد على كل محاولات التشويه بالفعل لا بالقول.
كانت “وطن السلام” احتفالًا بالإنجازات، لكنها أيضًا ردًا عمليًا على من يحاول التقليل من شأن الدولة المصرية أو التشكيك في قدرتها على قيادة المشهد الإقليمي.
إن التنظيم الدقيق، والرسائل الرمزية، والوجوه التي شاركت — من الفنان إلى الجندي، ومن القائد إلى المواطن — كلها كانت تقول للعالم:
“نحن لا نُعلّق على الحملات… نحن نصنع الحدث.”
في النهاية، أثبتت احتفالية “وطن السلام” أن مصر لا تحتاج إلى تبرير وجودها أو الدفاع عنها بل هي ببساطة الدولة التي علّمت التاريخ معنى البقاء، وعلّمت العالم أن القوة الحقيقية ليست في الصوت العالي، بل في الثبات على الموقف.
وفي الوقت الذي تتبدل فيه التحالفات والوجوه، تبقى مصر كما كانت دائمًا:
رمزًا للسلام القوي، والعزة الهادئة، والوطن الذي إذا تحدث… صمت الجميع احترامًا.