هرقل يسأل عن رسول الله
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد يقول الله تعالي كما جاء في سورة البقرة ” الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ” فالآية الكريمة تدل على أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون النبي الحبيب المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، والقول بعودة الهاء في قوله تعالى “يعرفونه” على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهذه المعرفة لم تكن بسيطة، بل كانت في أعلى مستويات المعرفة، بدلالة هذه الآية الكريمة، ويبين قوة هذه المعرفة جواب عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكان عالم اليهود وسيدهم.
وقد أسلم بعد وصول النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان ممن بشر بالجنة لسؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وثاني الخلفاء الراشدين، حين سأله قائلا له أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك ؟ قال نعم وأكثر، بعث الله أمينه في السماء إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه، فأهل الكتاب يجدون ذكر نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التوراة والإنجيل، ومن تأمل قصة قيصر الروم هرقل وما جعله يعترف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، من مطابقة صفاته لما يعرفه من البشارات التي جاءت بوصفه في التوراة والإنجيل خاصة، فإنه يعلم ما لذكر الصفة من أثر في التعرف عليه، فحين وصلت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه فيها إلى الإسلام.
جعل يبحث في مملكته عن من يأتيه بخبر وصفة هذا النبي الذي يدعوه للإسلام، فظفر جنده بأبي سفيان بن حرب زعيم قريش وسيدها قبل أن يسلم، وكان قد خرج في تجارة لقريش إلى الشام، وذلك بعد صلح الحديبية، فأدخل هو ومن معه على هرقل في قصره، فأجلسهم بين يديه فقال أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان أنا فأجلسوه بين يديه وأجلسوا أصحابه خلفه ثم دعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، قال أبو سفيان وأيم الله، لولا أن يؤثروا علي الكذب لكذبت، ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم ؟ قلت هو فينا ذو حسب، قال فهل كان من آبائه ملك ؟ قلت لا، قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت لا، قال أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟ قلت بل ضعفاؤهم.
قال يزيدون أو ينقصون؟ قلت لا، بل يزيدون، قال هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ قلت لا، قال فهل قاتلتموه ؟ قلت نعم، قال فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه، قال فهل يغدر؟ قلت لا، ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها، ووالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها غير هذه، قال فهل قال هذا القول أحد قبله ؟ قلت لا، ثم قال لترجمانه قل له إني سألتك عن حسبه ؟ فزعمت أنه ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك ؟ فزعمت أن لا، فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه من الناس أضعفاؤهم أم أشرافهم ؟ فقلت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا.
فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك هل قاتلتموه ؟ فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة، وسألتك هل يغدر ؟ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله ؟ فزعمت أن لا، فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله، ثم قال بم يأمركم ؟ قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة ،والصلة والعفاف، قال إن يك ما تقول فيه حقا فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أك أظنه منكم ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي.