من أراد الإنتفاع برمضان فعليه بحسن التأهب
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه كتب الفلاح لمن اتبعه واحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ولا تغتروا بدنياكم، وتزودوا لما أمامكم، فإن نعيم القبر وعذابه، وجميع ما ورد من أحوال أهله، يقع على الروح والجسد على كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى، وهو نعيم أو عذاب يصيب الميت ولو لم يدفن، أو وضع في ثلاجة أبد الدهر، أو أحرق حتى صار رمادا وذرته الرياح، أو أكله سبع، أو ابتلعه حوت، أو دفن في قاع البحر، كل أولئك تجري عليهم فتنة القبر.
وتصيبهم أهوله، وينعم المنعم منهم، ويعذب المعذب منهم، ولو قطع إنسان وفرقت أوصاله في البر والبحر، والسهل والوعر، فإن نصيب كل جزء منه من النعيم والعذاب يصله، ولو أكل إنسان إنسانا لنعم المأكول أو عذب وهو في جوف آكله، ولا يحس آكله بنعيمه أو بعذابه، وكم من مقبور في مروج وأزهار وأشجار تسر الناظرين وقبورهم بالنار مشتعلة، وأهلها يعذبون بأنواع العذاب، ولا يدرك من حولهم ذلك ولا يحسونه؟ وكم من قبور في خربات ومستنقعات القذر والأذى، وهي من رياض الجنة، وريحها من ريح الجنة، وأهلها منعمون، وكم من قبور يكسوها الجليد، ويحيط بها الصقيع، وهي نار تلظى على أهلها، وكم من قبور في رمضاء حامية، أو تحت تنور يشعل كل يوم نارا، وأهلها منعمون لا يحسون بشيء منها، وتلك قدرة العليم القدير.
الذي قلب حرارة النار بردا وسلاما على إبراهيم، واعلموا إن شهر رمضان هو شهر الفيوضات الربانية والمنح الإلهية والفتوحات الرحمانية، فجعل الله تعالي فيه من الخير ما لم يجعله في غيره، وبسط على مائدته من النعم والخيرات ما لا يتوفر في سواه، فهو النفحة الكبرى والمنة العظمى والرحمة الجلى، وإنما يستفيد المسلم من هذه الرحمات ويفوز من هذه النفحات بقدر تأهبه لإستقباله وإعداده لإستغلاله، وتجهيز النفس في شعبان وإعدادها للقيام بحق رمضان، فشعبان إنما هو كالمقدمة بين يدي رمضان، ولهذا قال أبو بكر البلخي شهر رجب شهر الغرس، وشهر شعبان شهر السقي، وشهر رمضان شهر الحصاد، فمن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟ وقالوا أيضا مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم.
ومثل رمضان مثل المطر، ومن مشهور قولهم ” لا رمضان لمن لا شعبان له” ومعناه ” أنه لا ينتفع برمضان تمام الإنتفاع إلا من إستعد له في شعبان تمام الإستعداد ولهذا قال ابن رجب ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، وعن السلف أنهم كانوا يكثرون قراءة القرآن جدا في شعبان تأهبا منهم لرمضان، فقال سلمة بن كهيل كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القرّاء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن” وكذلك كان بعض السلف يستحبون إخراج الزكاة والصدقات في شعبان حتى يفرغوا أهل الحاجة للعبادة في رمضان.
والمقصود هو أن من أراد الإنتفاع برمضان فعليه بحسن التأهب والإستعداد والإعداد له في شعبان، فيجعل من شعبان شهر تأهيل بدني ونفسي وروحي وقلبي وعلمي أيضا فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل إغتنامه، ويجهز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
زر الذهاب إلى الأعلى