لا ينظر الله إليه يوم القيامة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله خير ما جزى نبيا من أنبيائه، فصلوات ربي وتسليماته عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين أما بعد روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات ” رواه البخاري، وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله قيل خص الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء، ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب، في التلطف والحنو، ونحو ذلك.
وروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه” قيل يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه” رواه البخاري ومسلم، وكما أن عقوق الوالدين سبب دخول النار، حيث روى الإمام النسائي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنّان بما أعطى” وقال السندي رحمه الله في قوله “لا ينظر الله إليه” أي نظر رحمة أولا، وإلا فلا يغيب أحد عن نظره، والمؤمن مرحوم بالآخرة قطعا، والعاق لوالديه هو المقصر في أداء الحقوق إليهما.
والمترجلة هي التي تتشبه بالرجال في زيّهم وهيئاتهم، فأما في العلم والرأي فمحمود، والديوث وهو الذي لا غيرة له على أهله، ومعني لا يدخلون الجنة، أي لا يستحقون الدخول ابتداء، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف ” قيل من يا رسول الله؟ قال ” من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة ” رواه مسلم، ومعني رغم أنف، أي ألصقه بالتراب وأذله، واعلموا عباد الله أن عقوق الوالدين يمنع قبول العمل الصالح، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفا، أي فرضا، ولا عدلا، أي تطوعا، عاق ومنّان ومكذب بالقدر” وكما أن عقوق الوالدين عقوبته معجّلة في الدنيا قبل الآخرة.
فروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بابان معجّلان عقوبتهما في الدنيا، البغي والعقوق” ومعني قوله ” معجّلان عقوبتهما في الدنيا” أي قبل موت فاعلهما، ومعني قوله ” البغي ” أي مجاوزة الحد في الظلم، ومعني قوله ” والعقوق ” أي إيذاء الوالدين، ومخالفتهما فيما لا يخالف الشرع، ولقد أوصي الله سبحانه وتعالي بالبر بالوالدين، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله برهما يكون بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يأمرا بمحظور، وتقديم أمرهما على فعل النافلة وإجتناب ما نهيا عنه، والإنفاق عليهما والمبالغة في خدمتهما وإستعمال الأدب والهيبة لهما ويصبر على ما يكرهه مما يصدر عنهما، وكما أن بر الأم مقدم على بر الأب، حيث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم ” إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات “
قيل خصّ الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء لضعف النساء ولينبه على بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك، وإن من صور البر بالوالدين هو تقديم خدمة الوالدة على صلاة النافلة، وقال محمد بن المنكدر بات أخي عمر يصلي وبت أغمر قدم أمي وما أحب أن ليلتي بليلته، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله وفيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن الإستمرار نافلة وإجابة الأم وبرها واجب، وكما أن من صور البر بالوالدين هو عدم الرحلة في طلب العلم طاعة للوالدة، وقال محمد بن بشار بن داود بن كيسان الحائك لم يرحل برا بأمه واقتنع بحديث بلده، وكما أن من صور البر بالوالدين هو سؤال الابن أباه عن رضاه عنه، حيث قال الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي مرض مرضا شديدا فقال له ابنه ههنا دواء تشربه، قال يا بني ما بقي إلا الموت، فقلت ما أنت عني راضي ؟ قال بلى والله أنا راضي عنك وعن إخوتك.