منوعات

في قاعة المحكمة… صرخ ياسين أخيرًا

في قاعة المحكمة… صرخ ياسين أخيرًا

بقلم: محمود سعيد برغش

في قاعة العدالة، حيث تُرفع الأصوات بعد طول صمت، وقف طفل لا تزال الطفولة تلمع في عينيه، لكنه يحمل على كتفيه وجعًا أثقل من الجبال. ياسين، تلميذ دمنهور، لم يكن يُفترض أن يكون هنا، في مواجهة قاتله النفسي، ووجعٍ لن يُمحى بسهولة. لكنه كان.

اليوم… كانت المرافعة.

اليوم، تحدّث المحامون، وناشدت القلوب، وأصغت العدالة.

جريمة في حضن المدرسة

في مؤسسة تعليمية يُفترض أن تزرع القيم، وقعت جريمة لا تُغتفر. عجوز ستيني، بوجه خادع وضمير ميت، استغل لحظة ضعف، وغفلة نظام، لينقضّ على طفل لا حول له ولا قوة. اعتدى على جسده، وعلى إنسانيته، وعلى ثقة مجتمع بأكمله.

ياسين لم يُختطف في شارع، بل في مكان يُفترض أنه الأكثر أمانًا. هذا وحده يكفي لإعلان حالة طوارئ تربوية.

الأم: بطلة هذه القضية

في قضايا الاعتداءات، كثيرٌ من الأهالي يصمتون، خوفًا من “الفضيحة”، من كلام الناس.

لكن أم ياسين قالت: لا.

رفعت رأسها، ورفعت صوت ابنها، وطاردت المتحرش حتى وصلت به إلى ساحة العدالة.

موقفها لم يكن عاديًا، بل ملحمة أم قررت أن تصنع فرقًا بين الخوف والحق.

المؤبد للجاني… لكننا نطالب بالمزيد

أصدرت المحكمة حكمها العادل: السجن المؤبد للمعتدي.

لكننا لا نعتبر أن العدالة اكتملت.

فالجريمة لم يكن بطلها فردًا فقط، بل بيئة كاملة سمحت بها:

مديرة المدرسة: يجب أن تُحاسب على التستر والإهمال.

المعلمة: أين كانت من صراخ الأطفال؟

الدادة (المشرفة): التي رأت ولم تُحرّك ساكنًا، تُعد شريكة في الجريمة.

المدرسة نفسها: يجب سحب ترخيصها فورًا، لأن السلامة النفسية والجسدية للأطفال فوق أي اعتبار تجاري أو إداري.

دروس من مأساة

لا تُربّى العدالة بالصمت، بل بالصراخ في وجه الظلم.

لا تُحمى الطفولة بالقوانين فقط، بل بالضمير.

ولا تُنسى القضايا الكبرى، حتى بعد الحكم، إن بقيت الجذور فاسدة.

ياسين… طفل لكنّه علّمنا

علمنا ياسين، دون أن يدري، أن العدالة تبدأ من صوت صغير في جسد هش، لكنه حين يُمنح حقه، يصبح أقوى من كل الجدران.

هذه ليست نهاية القضية، بل بدايتها.

قضية وطن يُعيد التفكير في معنى المدرسة، والرقابة، والضمير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى