مصر من الفوضى إلى النهضة
بقلم : علي فتحي
في عالم يعج بالفوضى والصراعات تُثبت مصر مرة أخرى أنها ليست مجرد دولة تقاوم الرياح العاتية بل نموذج لدولة صاغت مصيرها بيدها متجاوزة تحديات الداخل والخارج وسط منطقة تشتعل فيها الحرائق السياسية والاجتماعية يظهر الفارق جليًا بين قيادة تولدت من إرادة شعبية حقيقية وبين زعامات فرضت نفسها بقوة الحديد والنار لا تجني سوى الخراب والدمار .
وخلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أوروبا وتحديدًا إلى الدنمارك ظهر المشهد بحُلته الباهرة استقبال ملكي رسمي يعكس ثقل مصر المتزايد على الساحة الدولية و مباحثات رفيعة المستوى تتناول قضايا حيوية من الاستثمار إلى التكنولوجيا والطاقة النظيفة وفي خلفية هذا المشهد كانت أخبار تتردد عن بشار الأسد الذي اضطر إلى الاختباء في قاعدة عسكرية روسية هربًا من الفوضى التي أحاطت ببلاده مشهد يلخص الفارق بين زعيم أتى بإرادة الملايين لتغيير الواقع وزعيم ورث حكمًا ديكتاتوريًا فشل في حماية شعبه بل كان سببًا في معاناته .
إن الجولة الأوروبية للرئيس السيسي لم تكن مجرد رحلة بروتوكولية بل جاءت تتويجًا لجهود عشر سنوات من العمل الشاق والتخطيط المحكم جولة حملت رسائل واضحة للعالم بأن مصر تقف الآن على أرض صلبة قادرة على فرض وجودها كلاعب إقليمي ودولي في الدنمارك البلد الذي يُعد من أبرز مراكز أوروبا الاقتصادية ناقش السيسي مستقبل التعاون في مجالات الطاقة النظيفة مؤكدًا أن مصر لا تسعى فقط لتحقيق نمو داخلي بل تطمح لأن تكون شريكًا رئيسيًا في رسم ملامح مستقبل الاقتصاد الأخضر عالميًا ، ثم جاءت النرويج بلد السلام والطاقة المتجددة حيث أضافت اللقاءات بُعدًا جديدًا لتعاون مصر مع أوروبا خاصة في مجال الهيدروجين الأخضر مشروع طموح يجعل مصر رائدة في إنتاج وتصدير مصادر الطاقة المستدامة وفي أيرلندا استمرت نفس الأجواء استقبال دافئ يعكس إدراك أوروبا لأهمية مصر ليس فقط كدولة مستقرة وسط منطقة تعج بالفوضى بل كشريك استراتيجي في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي .
هذه الإنجازات لم تكن وليدة اللحظة بل نتاج رؤية طويلة الأمد بدأت منذ أن أدركت القيادة المصرية طبيعة التحديات التي تواجه البلاد ، فمصر التي كانت تعاني من مشكلات في البنية التحتية لسنوات طويلة تحولت اليوم إلى نموذج يحتذى به في تطوير الطرق والمدن والمرافق الحيوية آلاف الكيلومترات من الطرق مدن جديدة على أحدث النظم التكنولوجية مشروعات قومية عملاقة في قطاعات الإسكان والطاقة والصناعة كلها كانت أدوات لإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة ، و على الصعيد الاقتصادي كانت الإصلاحات التي بدأت منذ سنوات خطوة جريئة وضرورية رغم ما صاحبها من تحديات إلا أنها وضعت مصر على طريق أكثر استدامة منها تحرير سعر الصرف وإعادة هيكلة الدعم كانت قرارات مؤلمة لكنها حتمية لبناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة الصدمات العالمية .
لكن العامل الأبرز في حماية مصر وسط هذا العالم المتغير كان قواتها المسلحة الجيش المصري المؤسسة التي ظلت صمام الأمان للدولة في أحلك الظروف شهد تطورًا غير مسبوق في تسليحه وتدريبه ليصبح درعًا حصينًا يحمي الوطن من أي محاولات للنيل منه على عكس سوريا التي انهارت بمجرد رفع القوى الخارجية يدها عنها كانت مصر تعتمد على نفسها بالكامل مدركة أن أي تهاون في تأمين الداخل يعني فتح الباب أمام الفوضى ، إن الفرق بين مصر وسوريا يتجلى بوضوح في إدارة الأزمة في سوريا كان غياب الجبهة الداخلية المتماسكة واعتماد النظام على دعم خارجي سببًا رئيسيًا في انهيار الدولة أما في مصر فقد كانت المعادلة مختلفة تمامًا بناء داخلي قوي يعتمد على مشروعات قومية تنموية تعزيز القدرات الاقتصادية رغم التحديات وتطوير المؤسسة العسكرية لضمان السيادة الوطنية دون الاعتماد على قوى خارجية .
إن جولة الرئيس السيسي الأوروبية كانت رسالة قوية بأن مصر الجديدة ليست مجرد دولة تسعى للاستقرار بل دولة تخطط للمستقبل بعقلانية وطموح الحفاوة التي حظي بها في الدنمارك والنرويج وأيرلندا لم تكن فقط تقديرًا لمصر بل اعترافًا بنجاح نموذجها في البناء والنهوض رغم كل التحديات ، وسط هذه التحركات تبقى مصر دولة عصية على الكسر دولة لا تعتمد على الحظ أو المصادفة بل على رؤية واعية قيادة حكيمة وشعب يؤمن بأن الغد يمكن أن يكون أفضل إنها رسالة للعالم بأن البناء لا يتحقق إلا بالإرادة وأن النجاح هو ثمرة عمل مستمر وجهد لا يعرف اليأس هذا هو الدرس المصري درس الصمود والنهضة التي تُصنع بأيادٍ وطنية وبإرادة لا تهتز .
زر الذهاب إلى الأعلى