ضمانات المواطن عند الكشف عن تعاطي المواد المخدرة: بين الحماية القانونية والضوابط الإجرائية
بقلم : عمرو الريدي – المحامي
في ظل ما يشهده المجتمع من تزايدٍ في حملات الكشف عن تعاطي المواد المخدرة، لا سيما في ما يتعلق بسائقي المركبات أو موظفي الدولة، تثار تساؤلات كثيرة حول مدى توافق هذه الإجراءات مع الحقوق الدستورية والقانونية للمواطن. وفي هذا السياق، أصدر محكمة النقض حكمًا هامًا في الآونة الأخيرة أبطل فيه تحليل المخدرات لسائقي السيارات دون توافر حالة تلبس أو إذن قضائي مسبق. وقد أتى هذا الحكم ليؤكد على أن حقوق الأفراد وحرياتهم مصونة بموجب الدستور، وأن أي إجراء مخالف لهذه الحقوق يُعد باطلاً.
الحماية القانونية للحرية الشخصية:
يُعتبر حق الإنسان في حريته الشخصية من الحقوق الأساسية التي تكفلها الدساتير والمواثيق الدولية. فقد نصت المادة 54 من الدستور المصري لعام 2014 على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالات التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”. وهذه المادة تؤكد على أنه لا يجوز المساس بالحرية الشخصية للمواطن إلا في حالات معينة ووفقًا لضوابط قانونية صارمة.
كما نصت المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “الجسد حرمه، ويحظر التدخل التعسفي في الحياة الخاصة أو الأسرة أو المسكن أو الحملات على الشرف أو السمعة”. هذا النص يعزز من حماية الخصوصية الجسدية، وهو ما يفرض ضرورة توافر ضمانات قانونية وإجرائية واضحة عند إجراء أي تحليل طبي للكشف عن تعاطي المخدرات، خاصة في ظل تدخل السلطات العامة.
الضوابط القانونية والإجرائية للكشف عن تعاطي المخدرات:
في حكمها الأخير، أكدت محكمة النقض على أن أخذ عينات البول من سائقي السيارات للكشف عن تعاطي المخدرات “لمجرد الاشتباه” يعد إجراء باطلاً إذا لم يتوافر حالة من حالات التلبس بالجريمة أو إذن قضائي مسبق من السلطة المختصة. وأشارت المحكمة إلى أن الإجراءات التي اتخذها رجال الشرطة في القضية التي أمامها كانت تتسم بالتعسف والانحراف في استعمال السلطة، وأن جميع الأدلة التي تم الحصول عليها بناءً على تلك الإجراءات غير قانونية ولا يجوز الاعتداد بها. هذا الحكم استند إلى قاعدة قانونية ثابتة مفادها أن “كل ما يترتب على الباطل فهو باطل”.
النظام القانوني للإجراءات الطبية:
تشير القوانين المصرية إلى أن أي تدخل في جسد الإنسان، سواء كان ذلك من خلال إجراء تحاليل طبية أو عمليات جراحية، يجب أن يكون بناءً على موافقة حرة وموافقة من الشخص المعني أو ممثليه الشرعيين. فالمادة 60 من الدستور المصري نصت على أن “لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون”. كما حظرت المادة 60 “إجراء أية تجارب طبية أو علمية بغير رضاه الحر الموثق”.
وفيما يتعلق بالكشف عن تعاطي المخدرات، لا يجوز إجبار المواطن على إجراء تحليل إلا في إطار قانوني محدد، كما هو الحال في قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008 الذي يجيز إجراء التحاليل على السائقين الذين يُشتبه في تعاطيهم المخدرات أثناء القيادة. ورغم هذا التنظيم، يرى البعض أن هذا الإجراء قد يواجه تساؤلات حول دستوريته في حال عدم توافر الشروط القانونية الدقيقة التي تضمن حقوق الأفراد.
الضمانات الإجرائية في تحليل العينات:
من الناحية الإجرائية، يثير تطبيق هذه القوانين تساؤلات حول مدى ضمان سلامة العينات المأخوذة من المواطنين. إذ يُلاحظ أن التحاليل الطبية غالبًا ما تُجرى بواسطة فنيين غير متخصصين في الطب الشرعي، ما يفتح المجال لشكوك حول دقة التحليل. كما أن الكواشف السريعة التي تستخدم للكشف عن المواد المخدرة لا تحدد نوع المخدر بدقة، وقد تتأثر بعوامل أخرى مثل تناول بعض الأدوية العلاجية.
وفي هذا الصدد، يشير المحامي عمرو الريدي إلى أن الإجراءات المتبعة في جمع وتحليل العينات قد تشوبها بعض المخاطر، بما في ذلك اختلاط العينات أو التأثر بالعوامل الخارجية. هذا يشير إلى الحاجة الماسة لوضع ضوابط إجرائية دقيقة تضمن عدم التلاعب أو الأخطاء في نتائج التحليل.
التوازن بين الحقوق العامة والفردية:
يجب أن يتسم أي قانون أو إجراء يتخذ للكشف عن تعاطي المخدرات بالتوازن بين الحفاظ على النظام العام وحماية حقوق الأفراد. إن ضمانات سلامة الإجراءات الإدارية والطبية من ناحية، وحقوق المواطن في عدم المساس بحرمة جسده وخصوصيته من ناحية أخرى، هي الأسس التي ينبغي أن يستند إليها أي تشريع أو تنظيم بهذا الشأن.
في الختام، نؤكد على أن أي إجراء يتخذ للكشف عن تعاطي المواد المخدرة يجب أن يكون محكومًا بقواعد قانونية دقيقة تضمن احترام حقوق الإنسان وحرياته، بما في ذلك توافر الأدلة القانونية الكافية وحصول المواطن على كافة الضمانات الإجرائية، مع مراعاة أن أي تجاوز في هذا الشأن قد يؤدي إلى إبطال هذه الإجراءات واعتبارها باطلة.