سوريا بعد حكم الأسد
بقلم : علي فتحي
بعد عقود من حكم آل الأسد يجد السوريون أنفسهم أمام لحظة فارقة في تاريخ بلادهم حيث يواجهون سؤالًا وجوديًا هل يمكن لسوريا أن تتجاوز خيانة الأسد وتدمير مؤسساتها لتتحول إلى نموذج ديمقراطي يحتذى به في الشرق الأوسط؟
لم يكن رحيل بشار الأسد إلى روسيا سوى تتويج لسنوات من التدمير المنهجي لسوريا منها تدمير الجيش السوري بالكامل واحتلال أجزاء كبيرة من البلاد من قبل تركيا وإسرائيل يُعد وصمة في تاريخ الأسد الذى ترك بلاده تواجه مصيرا مأساويا فلقد تحول الجيش الذي كان يومًا ما درعًا للأمة العربية إلى رماد بفعل سياسات رعناء وقرارات عشوائية جعلت من سوريا ساحة للصراعات الدولية والإقليمية ، هذا الانهيار يثير تساؤلات حول المسؤولية التاريخية والأخلاقية للأسد ليس فقط تجاه سوريا بل تجاه الأمة العربية بأكملها ، فكما أن الجيش المصري هو العمق الاستراتيجي لسوريا، كان الجيش السوري يُعتبر الدرع الأول لمصر وتدمير هذا العمق الاستراتيجي هو بمثابة نكسة تفوق نكسة 1967 في تداعياتها وأثرها .
وبرغم التحديات التي واجهتها سوريا ، تبقى هناك سيناريوهات قد تقدم دروسًا حيوية لمستقبل سوريا ، من بين هذه السيناريوهات ، نجد نماذج مثل ما حدث في مصر حيث تم تنحي الرئيس مبارك عن السلطة بشكل سلمي بعد مظاهرات وأعمال شغب ورغم الصعوبات تمت إدارة عملية الانتقال السياسي بشكل يحافظ على وحدة الدولة واستقرارها وهو ما يمكن أن يكون حلاً معقولًا لتنحي الأسد بطريقة تحفظ ما تبقى من سوريا وتُسهم في فتح المجال للمرحلة الانتقالية ، وفي تونس استطاع الشعب التونسي رغم الاضطرابات أن يحقق انتقالًا ديمقراطيًا بعد تنحي زين العابدين بن علي حيث وضعت الأسس للتعددية السياسية والمشاركة الوطنية وهذه التجربة قد تكون ملهمة لسوريا حيث كان من الممكن أن يكون التنحي السلمي للأسد بداية لعملية سياسية شاملة تكون مليئة بالفرص لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والمساواة ، أما في الجزائر ورغم الصعوبات والتحديات الداخلية نجح الجيش الجزائري في الحفاظ على وحدة البلاد بعد سنوات من النزاع الداخلي وهو ما يبرز قدرة الجيش على إعادة بناء الدولة دون الدخول في فوضى .
إن الحديث الأن مطالب بعودة قادة الجيش السوري وضباطه إلى العمل بات ضرورة ملحة لإعادة بناء الجيش على أسس وطنية بدلاً من الانتماءات الطائفية أو السياسية فهذه العودة قد تشكل نقطة انطلاق لاستعادة سوريا لاستقلالها الحقيقى ، حيث يمكن أن يُعاد بناء الجيش ليصبح مؤسسة وطنية حامية للوطن وليس أداة لمصالح خاصة فإذا تم دمج القادة العسكريين الشرفاء وليس أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة في عملية المصالحة الوطنية سيكون لهم دور كبير في توحيد البلاد والعمل على إعادة إعمار الدولة في مرحلة ما بعد حكم أل الأسد .
إن بناء سوريا المستقبل يتطلب تجاوز الصراعات الداخلية والتركيز على بناء دولة مدنية ديمقراطية تحتضن الجميع وقد تحتاج سوريا إلى إعادة بناء مؤسساتها على أسس العدالة والمساواة بين جميع أطياف الشعب السوري ومع التأكيد على حقوق الأقليات الدينية والطائفية فإن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة تتيح لجميع المواطنين التعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم بحرية تامة بإشراف الأمم المتحدة فالمصالحة الوطنية هي الأساس لهذه المرحلة حيث يجب تضمين جميع الأطراف في العملية السياسية وضمان حقوق الجميع دون تمييز .
كما يجب أن يتم التركيز على إعادة إعمار الاقتصاد السوري والذي يحتاج إلى جهد ضخم لدعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والتعليم والصحة ، إن عملية إعادة الإعمار يجب أن تكون شاملة وتستهدف المناطق الأكثر تضررًا من الحرب على أن يتم توجيه الاستثمارات نحو بناء اقتصاد مستدام وذو عدالة اجتماعية فمن خلال ذلك يمكن استعادة مكانة سوريا الاقتصادية في المنطقة وهو ما سيعود بالنفع على المواطنين الذين يعانون من صعوبات الحياة اليومية .
أما فيما يتعلق بالقضايا الطائفية والانقسامات الداخلية يجب أن تكون هناك آلية قانونية واضحة للتعامل مع هذه التحديات بهدف الحفاظ على وحدة البلاد ، فسوريا المستقبل يجب أن تكون دولة تحتفل بتنوعها وتدعم حقوق جميع فئات المجتمع بما في ذلك
الأكراد والآشوريين وغيرهم من الأقليات ، الخطوة التالية تكمن في تعزيز دور المرأة والشباب في المجتمع السوري ليكون لهم دور ريادي في بناء المستقبل فيجب وضع قوانين تضمن حقوق المرأة في المجالات كافة سواء في التعليم أو العمل أو المشاركة السياسية ، كما يجب أن يحصل الشباب على فرص تعليمية ووظيفية تتيح لهم المشاركة الفعالة في تشكيل مستقبل البلاد .
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فيجب على سوريا المستقبل أن تتبنى سياسة متوازنة تراعي مصالح الشعب السوري وتعزز من استقرار المنطقة كما يمكن لسوريا أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التعاون الإقليمي والعمل العربي المشترك وهو ما يساهم في استعادة مكانتها في العالم العربي والإقليمي عبر هذه السياسة الدبلوماسية المتوازنة يمكن لسوريا أن تصبح فاعلًا محوريًا في الشرق الأوسط ، فلا يمكن لسوريا أن تنهض بدون أن يكون هناك اهتمام حقيقي في التعليم والثقافة ، إعادة بناء النظام التعليمي السوري يجب أن تكون أولوية وذلك لتمكين الشباب من امتلاك المهارات اللازمة لمواكبة التطورات العالمية بالإضافة إلى ذلك يجب دعم الثقافة والفنون السورية التي كانت تعد أحد عناصر القوة الناعمة في المنطقة فإذا كان هناك من مجال للأمل فإن مستقبل سوريا يعتمد على إرادة شعبها وقدرتها على تجاوز الماضي بكل مآسيه والعمل معًا لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والديمقراطية وفي حال تم تبني هذه الحلول الجذرية يمكن لسوريا أن تتحول إلى منارة للشرق محققة استقرارًا ورخاءً يعيدها إلى مكانتها التاريخية في المنطقة.