رمضان عرفة يكتب.. مصر تقود العالم نحو سلام الشرق الاوسط
في كلمة حملت معاني التاريخ واستشراف المستقبل، ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطاباً شاملاً خلال قمة شرم الشيخ للسلام، جسد فيه الموقف المصري الثابت تجاه قضايا المنطقة، مؤكداً أن السلام لا يصنعه السلاح، بل تصنعه الإرادة السياسية والرؤية العادلة، كانت الكلمة بمثابة خريطة طريق نحو شرق أوسط جديد، خال من الحروب والتطرف، قائم على العدالة والاحترام المتبادل وحق الشعوب في الحياة الكريمة.
استهل الرئيس السيسي كلمته بالتأكيد على رمزية اللحظة التاريخية التي وقع فيها اتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب في غزة، معتبرا أن ما جرى هو ميلاد بارقة أمل، يمكن أن يغلق صفحة أليمة من تاريخ البشرية.
هذا التعبير يختصر فلسفة السياسة المصرية منذ السادات وحتى اليوم: أن المبادرة للسلام ليست ضعفا، بل شجاعة سياسية وإنسانية.
لقد حرص الرئيس على أن يربط الحدث الراهن بجذور الموقف المصري منذ زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس عام 1977، مشدداً على أن مصر لم تتخل يوما عن خيار السلام، لأنه خيار استراتيجي متجذر في عقيدة الدولة.
في الجانب العملي من الخطاب، وضع الرئيس السيسي محددات واضحة لمسار ما بعد وقف إطلاق النار، حين قال: السلام لا يكتمل إلا حين تمتد اليد للبناء بعد الدمار.. بهذه العبارة، رسم الرئيس المرحلة الثانية من عملية السلام: وهي إعادة الإعمار والتنمية، باعتبارهما الضمان الحقيقي لعدم عودة الصراع. وأعلن أن مصر ستستضيف مؤتمر التعافي وإعادة الإعمار والتنمية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة وكافة الشركاء، لتتحول القاهرة من وسيط سياسي إلى محرك فعلي للبناء والاستقرار
وهنا يظهر إدراك القيادة المصرية لحقيقة أن السلام الاقتصادي والاجتماعي هو الامتداد الطبيعي للسلام السياسي، وأن الأمل لا يتحقق بمجرد توقيع الاتفاقات، بل بخلق حياة كريمة على الأرض.
أبرز ما ميز الخطاب هو النداء الإنساني والسياسي الذي وجهه الرئيس السيسي إلى الشعب الإسرائيلي، قائلاً: “فلنجعل هذه اللحظة التاريخية بداية جديدة لحياة تسودها العدالة والتعايش السلمي… مدوا أيديكم لنتعاون في تحقيق السلام العادل والدائم لجميع شعوب المنطقة، هذه الدعوة تحمل بعدين متكاملين: بعد إنساني وشعبي يراهن على وعي الشعوب أكثر من الحكومات، ويعيد إلى الأذهان روح سلام الشعوب لا سلام القصور.. وبعد سياسي عقلاني يربط بوضوح بين الأمن الإسرائيلي والعدالة الفلسطينية، مؤكدًا أن حل الدولتين هو الإطار الوحيد القابل للحياة لإنهاء الصراع.
بهذا الخطاب، وجه الرئيس السيسي رسالة طمأنة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي معا، مفادها أن الأمن لا يتحقق بالغلبة، بل بالعدالة والاحترام المتبادل.
امتدح الرئيس السيسي الجهود الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب، ووجه الشكر لتركيا وقطر والولايات المتحدة على دورها في إنجاز الاتفاق.. لكن ما يلفت النظر هنا أن مصر لم تظهر كدولة تابعة أو منفذة لتوجهات الآخرين، بل كقائد مشارك في صنع القرار، فقد حرص الرئيس على الإشارة إلى أن تنفيذ الاتفاق وخطة السلام سيكون بالتعاون مع الجميع، ولكن تحت مظلة الشرعية الدولية، ووفقا لرؤية عربية جماعية.
كما كانت مبادرة مصر بإهداء قلادة النيل للرئيس ترامب رسالة رمزية عميقة، لا تقتصر على التكريم الشخصي، بل تعبر عن تقدير مصر لكل من يختار طريق السلام على حساب الحرب، وتؤكد أن القاهرة لا تكتفي بالتصفيق للسلام، بل تكرم صانعيه.
الخطاب كشف بوضوح أن مصر عادت لتتصدر المشهد الإقليمي، لا كوسيط فحسب، بل كـضامن ومهندس للسلام في الشرق الأوسط.. فهي الجار المسؤول الذي يحمي حدوده ويؤمن معابره.. وهي القيادة العاقلة التي تجمع بين القيم والمصالح، وتوازن بين الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي.. وهي الدولة صاحبة المصداقية التاريخية في التعامل مع كل الأطراف، بحكمة وموضوعية.
وفي ختام كلمته، رسم الرئيس السيسي ملامح الشرق الأوسط الجديد، الذي يجب أن يكون خاليا من الإرهاب والتطرف ومن جميع أسلحة الدمار الشامل، مؤكدا أن اتفاق اليوم هو بداية الطريق لهذا التحول الكبير.
رغم طابع الخطاب السياسي، فإن الروح الإنسانية كانت حاضرة بقوة، خاصة في حديثه عن معاناة الشعوب وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والعيش بحرية وأمان.. وقد تجلت الرؤية الفلسفية للرئيس في قوله: السلام لا تصنعه الحكومات وحدها، بل تبنيه الشعوب حين تتيقن أن خصوم الأمس يمكن أن يصبحوا شركاء الغد، بهذه الجملة، اختتم الرئيس السيسي فصلا جديدا في أدبيات الخطاب العربي حول السلام — خطاب يتجاوز المصطلحات الرسمية إلى خطاب إنساني شامل.
ان خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة شرم الشيخ لم يكن مجرد كلمة بروتوكولية، بل وثيقة سياسية تؤسس لرؤية مصرية متكاملة للسلام الشامل، لقد جمع بين الذاكرة التاريخية والواقعية السياسية والبعد الإنساني، ليؤكد أن مصر كانت ولا تزال قلب العالم العربي النابض بالعقل والضمير، وأنها تملك من الثقة والقدرة ما يجعلها القاطرة الحقيقية نحو شرق أوسط جديد، ينعم فيه الجميع بالأمن والكرامة والعيش المشترك.