خيانة تحت غطاء البطولة: حينما يهاجم بعض الشباب سفارات أوطانهم في الخارج
بقلم . عبدالحميد نقريش:
في السنوات الأخيرة، شهدنا ظاهرة خطيرة تتنامى بين بعض الشباب في الخارج، ظاهرة تثير الكثير من علامات الاستفهام والقلق: مهاجمة سفارات أو قنصليات بلادهم، بدلاً من توجيه غضبهم المشروع نحو المعتدين الحقيقيين على أوطانهم ومقدرات شعوبهم. شباب غاضب، حانق، لكنه – وللأسف – يوجه سهامه إلى صدر الوطن لا إلى صدر العدو.
قد يظن البعض أن ما يقومون به “بطولة”، أو “موقف ثوري”، أو حتى “صرخة مظلوم” في وجه ما يعتبرونه “ظلماً داخلياً”، لكن الحقيقة المؤلمة هي أنهم يرتكبون خيانة موصوفة بكل المقاييس. فالسفارات والقنصليات ليست سوى رموز سيادية للوطن، وحمايتها في الخارج واجب على كل مواطن شريف. من يعتدي على هذه الرموز، لا يهاجم مبنى، بل يهاجم فكرة الدولة ذاتها، هيبة الوطن، وكرامة شعبه.
الأكثر إيلاماً، أن بعض هؤلاء يتعاملون مع الأمر كـ”عرض استعراضي”، يشترط أحدهم أن يكون هو من يظهر في الفيديو، منفرداً، وكأنّه يقدم بطولة سينمائية، لا جريمة يعاقب عليها القانون. يسعى خلف الشهرة لا الحقيقة، خلف التصفيق الزائف لا صوت الضمير. وحين تنقلب عليهم الأمور – كما يحدث غالباً – يبدأون في التباكي، والصراخ: “لقد ظلمني وطني”. يرفعون شعار المظلومية في حين أن يدهم كانت ملطخة بالفعل المشين.
الوطن، يا سادة، قد يسامحك في كثير من الزلات، لكنه لا يغفر خيانة.
لا أحد ينكر أن هناك مشكلات، أخطاء، وربما حتى مظالم – فكل دولة فيها تحديات ومواطن خلل – لكن مواجهتها لا تكون بهدم البيت فوق رؤوس ساكنيه. من أراد الإصلاح فليذهب إلى منابع القرار، إلى النقاش، إلى الإعلام، إلى المؤسسات الحقوقية، إلى الرأي العام، لا أن يعتدي على ممثليات بلده، فيقدم خدمة مجانية للأعداء الذين ينتظرون مثل هذه التصرفات ليشهروا بها، ويطعنوا بها في جسد الوطن الذي يتعرض أصلاً لحملات تشويه ممنهجة.
العدو الحقيقي واضح: من يهدد أمن الوطن، من يزرع الفتنة، من يتآمر لنهب مقدرات الشعوب، من يحتل الأرض، أو يفرض الوصاية… هؤلاء هم من تستحق أن تُوجه إليهم صرخات الغضب. فلماذا هذا الخلط القاتل بين الغضب المقدس والغضب الأعمى؟ بين الثورة الواعية والخيانة المتسترة بشعارات زائفة؟
للأسف، عقول مدبرة تدير، وعقول مغيّبة تنفذ…
هؤلاء الشباب الذين ينساقون خلف الشعارات الجوفاء، لا يدركون أنهم أدوات في أيدي من يريد تمزيق النسيج الوطني من الداخل. هم لا يرون الصورة كاملة، ولا يقدّرون أنهم بهذا السلوك لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يُحسبون على المعارضين الحقيقيين، بل على المغامرين الحمقى.
الوطن، رغم كل شيء، يظل الحضن الذي نرجع إليه، والمكان الذي نحتمي فيه حين تسقط كل الأقنعة. الوطن ليس نظاماً سياسياً فقط، بل تاريخ وهوية ودماء شهداء وعرق أجداد. من يحاول تقويضه، أو النيل من رموزه السيادية، بحجة الغضب أو السخط، فليعلم أنه خائن، مهما تزيّن بكلمات النضال.
أيها الشباب، الغضب لا يمنح أحدًا صكّ البراءة من المسؤولية. العدوان والتخريب والتصوير “البطولي” المزعوم. الوطن لا يظلم أحداً حين يطبّق القانون على من اعتدى. فكروا جيدًا قبل أن تتحولوا إلى أدوات في أيدي من لا يريد
بكم ولا بوطنكم خيراً