تهوين شأن الشرك الأكبر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد إن الذين يؤصلون قضايا التكفير لا يدركون الفرق بين طرحها بطريقة علمية شرعية منهجية، فيركزون على التكفير بإعتباره أمرا جاءت به نصوص الشريعة الاسلامية، وموقف المسلم منه من خلال دراسات أكاديمية إن صح التعبير ودراسة أحكام الردة والحدود وغيرها، وبين القفز من التأصيل الشرعي الى إنزال الأحكام على جهات أو حكومات أو أحزاب أو مذاهب أو جماعات، حيث أن الآخر يحمل بعده التربوي في تهيئة النفسيات التي تطبق الأحكام على الوقائع والأحوال، بينما الأولى هي التي تضبط منهج الشاب، وتعلمه خطورة الطريق ووعورته.
وخاصة أن قضية التكفير كلما تعمق الإنسان في قراءتها كلما وجد أن بينه وبين أن يحكم على شخص بكفر وردة بعد المشرقين، فهي شبيهة بقدر كبير بإيقاع عقوبة الزنا على المحصن الذي لم يقر، ويدرك أن الإسلام وضع سياجات كثيرة بين الحكم على المسلم الذي دخل الى الإسلام بيقين، جيث جعل وصف الإسلام لا يزول عنه إلا بيقين مثله أو أعلى منه، وهذا صعب الوقوع، وشاق على من يتقي الله تعالى في أديان المسلمين، فالعاقل يرى أنه يخطيء في إبقاء كافر على الاسلام خير له من ان يخطيء في إخراج مسلم من الإسلام فيبوء بإثم الجرأة على الله سبحانه وتعالى، وتهوين شأن الشرك الأكبر في غاية الخطورة، فلو أن رجلا يقوم الليل ويصوم النهار ويحج كل عام ويعتمر كل شهر ويتصدق بكل ماله ويجتهد في أعمال البر ثم وقع في شرك أكبر.
كدعاء الموتى والإستغاثة بهم ونحو ذلك وقد قامت عليه الحجة الرسالية فعمله حابط وجهده خائب وسعيه مردود عياذا بالله تعالى فيقول الله تعالي كما جاء في سورة الفرقان ” وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا” فالشرك الأكبر إذا طرأ على الإيمان فإنه ينقضه بتمامه كما الحدث في الطهارة يبطلها وقد مثل بذلك الإمام المجدد قال في القواعد الأربع “فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة، فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه.
كما جاء في سورة النساء ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” وليس العمل بنافع مالم يسلم من نواقضه وأعظمها الردة عن دين الله تعالي لذلك لمّا إحتج بعضهم على شيخ الإسلام إبّان دخول التتار الشام بأن التتار مسلمون ويشهدون شهادة التوحيد، رد عليهم الشيخ بأنهم نقضوا ذلك وقال إن رأيتموني في ذلك الجانب، أي صف التتار وعلى رأسي مصحف منشور فاقتلوني، فمسألة البراءة من المشركين عظيمة الخطر وجليلة القدر وعزيزة المطلب، وأعظم الناصحين للأمة هم من يغرسون أصول التوحيد وتوابعه فيها ويهدمون الشرك وفروعه ويحاربونه بالحجة والبيان والسيف والسنان، فإذا إستقام توحيد الأمة إنتظمت لها بقية الأمور وساغ الخلاف والإجتهاد.
فيما دونه مما يعذر فيه المقلدون، لذلك لما أشار بعض تلاميذ شيخ الإسلام عليه أن يصنّف في الفقه أي العمليّات فيما نقله البزار، أجاب بأن أحكام الفقه أمرها قريب وإذا قلد المرء أحد الأئمة فيه فلا حرج عليه ولكن أصول الدين قد تنازعها الناس.
زر الذهاب إلى الأعلى