حتى أكون أحب إليه من ولده
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الولي المولى، رب الأرض والسماوات العلى، سبحانه يعلم السر وأخفى، وسامع النجوى وكاشف البلوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أقام الكون على مقتضى علمه ودبره بإرادته وهو العالم بما تبطنه الضمائر وما تخفيه السرائر وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، خير العاملين بدين الله رب العالمين وسيد الغر المحجلين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” رواه البخاري، وهذا نص في وجوب أن يكون عليه الصلاة والسلام أحب إلى المرء من كل شيء دنيوي، وذلك لأمور منها كونه نفى حصول الإيمان إلا بكونه أحب شيء، والإيمان واجب.
وما تعلق به فهو واجب، ثم إن الخطاب جاء في حق الأعيان في قوله ” أحدكم ” فكل مؤمن مخاطب بهذه المحبة، ثم إنه أتى بصيغة التفضيل ” أحب ” وهو صريح في تقديم محبته مطلقا على كل شيء دنيوي، وهذه المحبة الواجبة من فرط فيها فهو آثم مذنب، ومن قدم عليه محبة الآباء، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الأزواج، أو شيء من متاع الدنيا، فهو آثم فاسق، مستحق للعقوبة، فقوله ” لا يؤمن أحدكم ” نفي للإيمان الواجب، بمعنى أن من فعل ذلك فقد نقص إيمانه، نقصا يستحق به الإثم والعقوبة، فالشارع لا ينفي واجبا ثبت وجوبه إلا لترك واجب فيه، والإيمان واجب ولا ينفى بقوله ” لا يؤمن” إلا لترك واجب فيه، كالصلاة لا تنفى إلا لترك واجب فيها، كقوله ” لا صلاة لمن لا وضوء له ” رواه أحمد، وإن الإثم والعقوبة متفاوت بحسب نوع التقديم، فتارة يكون كفرا، وذلك في حالين.
فالأول إذا كان التقديم مطلقا، فلا يتعارض شيء مع محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا قدم ذلك الشيء، وهكذا في كل شيء، فهذا يعبد هواه، ولا يعبد الله تعالى في شيء، والأمر الثاني إذا كان التقديم في بعض الأحوال، لكن في أمور كفرية، ينقض بها أصل دينه، فيقدم محبة الأمور الكفرية على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، كمن نصر الكافرين على المسلمين، وتارة يكون كبيرة، وذلك إذا قدم محبة الكبائر على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فشرب الخمر وزنا، ولم يطع النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه عنها، فهذا قدم محبة هذه الكبائر، وتارة صغيرة، وذلك إذا فعل الصغائر، فقدم حبها على حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، واعلموا يرحمكم الله أنه ليس فوق محبة النبي المصطفي صلى الله عليه إلا محبة الله تعالى.
فإن محبة الله تعالى هي أعلى المحبوبات وأوجبها على الإطلاق، ولا يجوز أن يساوى بينه تعالى وبين غيره في المحبة، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن محبته وإن كانت عظيمة مقدمة على المحبوبات الدنيوية، لكنها تبقى في مرتبة البشرية، لا تبلغ مرتبة الألوهية، فلله تعالى محبة تخصه تسمى محبة التأله والخلة، ويقال كذلك المحبة الذاتية، فلا يجب شيء لذاته إلا الله تعالى، ومن هنا يفهم خطأ من بالغ في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جعله كمحبة الله تعالى، فنسب إليه خصائص الخالق سبحانه، من علم الغيب وتدبير الخلق، ونسبة إجابة الدعوات إليه، ودعاؤه والإستغاثة به من دون الله تعالى، في قضاء الحوائج، وتفريج الكربات، وسؤاله شيئا لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وإن اقترنت بمحبة الله تعالى.
إلا أنها كاقتران طاعته بطاعته، أما المحبة الإلهية فشيء وراء المحبة البشرية، وما أرسل النبي صلى الله عليه إلا ليعلق القلوب بالله تعالى، ويخلص الناس محبتهم لله تعالى فلا يشركوا فيها معه غيره، وهذه هي العبودية، التي قال تعالى فيها ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” أي ليخلصوا المحبة والخضوع والطاعة لله تعالى.