جبر الخواطر: إنسانية لا تُقدّر بثمن
سلوكك مرايتك
 بقلم: د. كريم ابوعيش
في أيام كثيرة، قد لا نملك أن نغيّر أحداث الحياة… لكننا نملك دائمًا أن نخفّف أثرها على من حولنا. أحيانًا كلمة صغيرة ترفع ثقلًا عن قلبٍ مُتعب، أو ابتسامة صادقة تعيد توازن يومٍ كاد يسقط من شدّته. هذا هو معنى جبر الخواطر… فعل بسيط، لكنه يحمل في داخله إنسانية لا تُقدّر بثمن.
جبر الخاطر لا يحتاج إلى قدرة خاصة، ولا إلى إمكانيات. يحتاج فقط إلى قلب يرى ألم الآخرين، وقيمة الشعور، وما يمكن أن تصنعه كلمة طيبة في لحظة ضيق.
ومع ذلك، يبقى هذا الفعل – على بساطته – نادرًا في عالم يُلهث كل فرد فيه خلف مشاغله ومسؤولياته.
وهناك جانب آخر لا يقل جمالًا…
أحيانًا يتعرض شخص للسخرية أو التقليل من شأنه، دون سبب سوى قسوة بعض القلوب أو جهلها. ومع ذلك، لا يتركه الله وحده. فكما يُبتلى الإنسان بمن يجرحه، يُكرم بمن يجبره. تجد بجانبه شخصًا يظهر في اللحظة المناسبة، يسانده، يرفع عنه ما كُسر، ويجعله يشعر أن قيمته محفوظة مهما حاول الآخرون النيل منها. هؤلاء البشر هم يد الرحمة التي يسوقها الله لعباده.
وهناك أشخاص يلتفتون لغيرهم رغم تعبهم…
يقدرون معنى الكلمة الطيبة، فيمنحونها في الوقت الذي يحتاجه الآخرون.
يحتوون المكسور، ويساندون الضعيف، ويرفعون من فقد توازنه. هؤلاء يستحقون الشكر… لا لأنهم ينتظرونه، بل لأن الاعتراف بفضلهم جزء من رد الجميل.
فالشكر ليس مجرد عبارة تقال، بل تقدير لإنسان اختار أن يقف في صفك حين كان بإمكانه أن يمر مرورًا عابرًا.
والاعتراف بجميل هؤلاء ليس مجاملة، بل قيمة أخلاقية نادرة يجب أن نحافظ عليها.
وفي المقابل، لا يجب أن نعتبر الطيبين أمرًا عاديًا. وجودهم نعمة، وغيابهم خسارة لا تُعوّض. ومن يجبر خاطرًا اليوم، قد يحتاج هو نفسه لمن يجبر خاطره غدًا.
وفي النهاية…
جبر الخواطر ليس حدثًا كبيرًا، بل سلوك يومي يعكس معدن الإنسان.
وإذا كانت الحياة لا تتوقف عن اختبارنا، فليكن ردّنا هو الرحمة، والرفق، وشكر كل من وقف بجانبنا دون طلب أو انتظار.
فما تعطيه للناس يعود إليك يومًا ما… وسلوكك، في النهاية، هو مرآتك