تيك توك… هوس البث وتسول بلا حياء
 بقلم: د. كريم ابوعيش
لم يعد «تيك توك» مجرد تطبيق للترفيه أو استعراض المواهب، بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة مفتوحة لكل ما هو صادم ومربك ومؤلم في آن واحد. ما بدأ كمنصة للمقاطع الخفيفة، أصبح اليوم مكشوفًا أمام ظواهر لم نكن نتخيّل أن تصل إليها مجتمعاتنا بهذه السرعة.
لقد كنت أسمع كثيرًا عن غرابة ما يُنشر داخل هذه المنصّة، لكنني لم أدخلها من قبل. وبعد تكرار الحديث من الأصدقاء عمّا يحدث، قررت إنشاء حساب لأرى بنفسي. وما وجدته لم يكن مجرد تسلية أو محتوى عابر… بل مشاهد تُدهس فيها القيم تحت قدم السعي للمال، وتُعرض فيها الخصوصية للبيع دون تردّد، وكأن الإنسان فقد إحساسه بحدود ما يجب أن يبقى خلف الأبواب المغلقة.
هناك من يستبيح حياته الزوجية بالكامل أمام الغرباء، وهناك من جعل البث المباشر وسيلة للتسوّل العلني… ولكن بثوب جديد، حيث يُعرض كل شيء مقابل المال.
والمؤلم أن بعض الرجال يظهرون مع زوجاتهم في مشاهد هزلية لا تشبه الاحترام، فقط لجذب مزيد من المتابعين. والأكثر ألمًا أن بعض النساء وجدن في كشف تفاصيلهن بابًا للربح السريع.
بل رأينا عائلات بأكملها تستخدم أطفالها، خلافاتها، دموعها، وضحكاتها – الحقيقية أو المصطنعة – من أجل «المال».
إنه تسوّل… ولكن بنسخة عصرية مضاءة جيدًا، مرتبة جيدًا، لكنها خالية من القيمة.
تسوّل يعتمد على تحويل الحياة الخاصة إلى عرض مباشر، وعلى إقناع الناس بأن ما يدفعونه من مال هو «دعم»، بينما هو في الحقيقة مشاركة في إهدار كرامة إنسانية.
الخطورة الحقيقية ليست في التطبيق نفسه، بل في ما كشفه لنا من شروخ اجتماعية وفكرية.
فكرة الثراء السريع أصبحت حلمًا عامًا، وتحوّل البعض من العمل والجهد إلى انتظار «مال سريع» يأتي من بث مباشر أو مشهد مصطنع.
وفي هذا المناخ، ينشأ جيل صغير يرى أن الشهرة أهم من التعليم، وأن عدد المتابعين أهم من عدد الإنجازات، وأن الجدل والرقص والإفراط أسهل طرق الوصول.
ولذلك، أرى — وبكل وضوح — أن مسؤولية المواجهة ليست فردية فقط، بل مجتمعية أيضًا. ومن هنا أدعو الدولة المصرية ومعها الحكومات العربية إلى إعادة تقييم وجود هذا التطبيق، بل والنظر جدّياً في غلقه إذا لزم الأمر، حفاظًا على قيمنا وهويّتنا وصورة الأسرة العربية التي لم تُخلق لتكون مادة للعرض والابتذال.
وفي الختام…
لن نحاسب «التيك توك» بقدر ما يجب أن نحاسب أنفسنا.
فما نراه على الشاشة ليس سببه البرنامج، بل اختيارات البشر.
والمال الذي يأتي بلا تعب… يذهب ومعه شيء لا يُعوّض: الاحترام.
إن أخطر ما قد يخسره الإنسان ليس خصوصيته… بل صورته أمام نفسه.
وما يُباع اليوم مقابل «مال»، سيبقى وصمة لا يمحوها أي عدد من المشاهدات.
هذا زمن تتغير فيه المنصّات سريعًا… لكن القيم لا تحتمل التغيير.
والإنسان الذي يحفظ كرامته، لا يحتاج إلى كاميرا كي يثبت قيمته.
#حديث_الثلاثاء
			
		 
				
		
		
	
	
	
	
 
	
	
	
	  
		
		
		
			
			زر الذهاب إلى الأعلى