تصاعد العنف ضد السياسيات في أوروبا وتأثيره على المشاركة العامة للنساء
كتبت منى توفيق
تزايد التحذيرات في عدد من الدول الأوروبية بشأن تصاعد العنف والتهديدات الموجهة ضد النساء العاملات في المجال السياسي، وهو ما يدفع بعضهن إلى الانسحاب من الحياة العامة أو فرض رقابة ذاتية على نشاطهن، بما يشكّل تهديدًا مباشرًا لمبدأ المشاركة السياسية المتساوية.
تشير تقارير مؤسسات معنية بالمساواة في السويد إلى ارتفاع كبير في معدلات الكراهية والمضايقات التي تستهدف السياسيات، محذرة من انعكاساتها الخطيرة على الديمقراطية. وقد برزت هذه المخاوف بشكل واضح خلال الأشهر الماضية، بعدما أعلنت آنا كارين هات استقالتها من رئاسة حزب الوسط بعد فترة قصيرة من توليها المنصب، مرجعة القرار إلى تعرضها لتهديدات متواصلة.
وتأتي هذه التطورات بعد حادثة هزّت السويد قبل ثلاث سنوات، حين قُتلت منسقة الطب النفسي للبلديات والمناطق، إنغ ماري فيزلغرين، في هجوم نفّذه رجل كان يخطط أيضًا لاستهداف رئيسة حزب الوسط آنذاك. وقد أدين الجاني بالقتل والتحضير لعمل إرهابي.
وفي ألمانيا، أثارت استقالة تيسّا غانزيرر من حزب الخضر، إلى جانب انسحاب نائبة رئيس البرلمان الألماني السابقة إيفون ماغفاس من المشهد السياسي، نقاشًا واسعًا حول تصاعد حملات التشهير والعداء ضد النساء في مواقع المسؤولية.
وتؤكد دراسات متخصصة أن السياسيات في عدة دول أوروبية يتعرضن لنوع مختلف وأكثر حدّة من التشويه مقارنة بزملائهن الرجال. ففي هولندا، اختارت وزيرة المالية السابقة سيغريد كاغ الابتعاد عن العمل السياسي بعد سلسلة تهديدات طالتها وطالت أفراد أسرتها.
وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة HateAid بالتعاون مع جامعة ميونيخ التقنية أن ربع المشاركات تقريبًا تلقين تهديدات بالعنف الجنسي، وهي نسبة تفوق ما يتعرض له الرجال بشكل كبير. كما أفادت ثلثا النساء بوجود اعتداءات لفظية وجندرية متكررة، إلى جانب حملات تستهدف المظهر والسمعة.
وتوضح نماذج وردت في الدراسة حجم الضغوط التي تواجهها السياسيات؛ من بينها تلقي مكالمات ليلية مجهولة المصدر، ونشر صور خاصة مقرونة بتحريض مباشر، إضافة إلى التعرض للمطاردة أو المضايقات المستمرة.
وتشير النتائج إلى أن 66% من النساء المتضررات اضطررن لتقليل نشاطهن على وسائل التواصل الاجتماعي خوفًا من التصعيد، مقابل 53% من الرجال. كما لجأت بعضهن إلى تعديل خطابهن العام أو التفكير في الابتعاد عن العمل السياسي مؤقتًا.
وتؤكد تقارير صادرة عن البرلمان الأوروبي استمرار ضعف تمثيل النساء في مواقع صنع القرار داخل دول الاتحاد، مشيرة إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يُعد من أبرز العوامل التي تمنع الكثيرات من خوض العمل السياسي من الأساس.
وتكشف تحليلات أجرتها منظمة EAF Berlin أن النساء الأصغر سنًا، والنساء من أصول مهاجرة أو ذوات بشرة ملونة، أكثر عرضة للعنف والتنمّر، إذ يجمعن بين التعرض للتمييز الجندري والعنصري معًا. وترى المنظمة أن غياب الاعتراف القانوني بالعنف السياسي القائم على النوع الاجتماعي يزيد من صعوبة مواجهة هذه الظاهرة.
كما تدعو التوجيهات الأوروبية إلى تعزيز إجراءات الحماية للمشاركات في الحياة العامة، بما في ذلك السياسيّات والصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان، على أن تبدأ الدول الأعضاء تنفيذ هذه التدابير بصرامة قبل عام 2027.
وتشدد المنظمات المعنية بحقوق المرأة على ضرورة حماية البيانات الشخصية والسيطرة على المعلومات الحساسة الخاصة بالسياسيات، بالإضافة إلى توفير مراكز دعم متخصصة، خصوصًا في المناطق المحلية التي تفتقر إلى خدمات الحماية.
وتؤكد الخبراء أن اعتبار العنف السياسي “جزءًا من الوظيفة” يمثل تصورًا خطيرًا يجب تغييره، لأن المشاركة السياسية لا ينبغي أن ترتبط بمخاطر تهدد حياة النساء أو أمنهن. وتدعو المنظمات جميع الأطراف إلى التصدي لهذه الظاهرة باعتبارها تهديدًا مباشرًا لمبادئ الديمقراطية والتنوع والتمثيل العادل في
المجال العام.
زر الذهاب إلى الأعلى