ترامب يعترف ضمناً: القاهرة كانت القوة التي أوقفت نتنياهو
بقلم المستشار/ محمد شادى
مستشار لجنة الدفاع والامن القوي بمجلس النواب سابقاً
في مقابلة حديثة مع مجلة TIME الأمريكية، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح أثار اهتمام الأوساط السياسية حول العالم، حين قال: لو لم أتدخل لوقف الحرب فى غزة، كانت قوى أخرى – وأنا أعرفها جيدًا – ستتدخل وتوقفها بالقوة.
ورغم أن ترامب لم يُسمِّ تلك القوى، إلا أن المعنى كان واضحًا لكل من يتابع المشهد في الشرق الأوسط: كان يقصد مصر.
ففي الأيام التي سبقت وقف إطلاق النار في غزة، خرجت من القاهرة رسائل واضحة وصريحة أكدت أن استمرار الحرب أمر غير مقبول، وأن أي محاولة لتغيير الوضع على الأرض داخل القطاع ستقابل برد مصري قوي وحاسم.
لم تكن هذه الرسائل مجرد تصريحات دبلوماسية، بل تحذيرات رسمية صدرت من أعلى المستويات السياسية والعسكرية المصرية.
القاهرة أبلغت جميع الأطراف — من واشنطن إلى تل أبيب مرورًا بالعواصم الأوروبية — بأن حدود الصبر المصري وصلت إلى نهايتها، وأن هناك خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها، بأي حال من الأحوال: لا تهجير للفلسطينيين. ، ولا احتلال دائم لغزة، ولا مساس بالأمن القومي المصري أو بحدود الدولة شرقًا أو غربًا.
هذه المواقف الحاسمة جعلت الصوت المصري هو الأقوى في المشهد الإقليمي، في وقت اكتفى فيه كثيرون بالاكتفاء بالبيانات والمناشدات.. أما القاهرة، فكانت تتحدث بلغة الفعل والاستعداد
ترامب، المعروف بتفاخره بقدرته على اتخاذ القرارات الصعبة، كان يدرك جيدًا طبيعة الموقف المصري.
فهو يعلم أن مصر لا تُهدد، بل تنفذ حين تُجبر على ذلك، وأن تحركاتها السياسية والاستخباراتية قادرة على تغيير المعادلة الميدانية دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.
لذلك، حين قال ترامب أيضًا: أنا من أوقفت نتنياهو لأنه لم يكن يريد التوقف، ولو لم أفعل، كانت قوى أخرى ستوقفه.. فهو في الحقيقة كان يحاول استباق المشهد إعلاميًا وسياسيًا، حتى لا يظهر أن القاهرة هي التي أوقفت التصعيد الإسرائيلي.
لقد أراد ترامب أن ينسب لنفسه الفضل في وقف الحرب، لكنه كان يعلم أن التحذيرات المصرية وصلت إلى كل مكتب مغلق في واشنطن وتل أبيب، وأنها كانت تحذيرات لا يمكن تجاهلها.
فمصر اليوم ليست مجرد وسيط في أزمات الشرق الأوسط، بل دولة مركزية تمتلك النفوذ والقدرة على إدارة التوازنات بين الإقليم والعالم.. هي لا تتحدث باسم طرف، بل تحمي أمنها القومي وتدافع عن استقرار المنطقة من موقع القوة والمسؤولية.
وحين تقول القاهرة: كفاية حرب، فليس ذلك مجرد نداء دبلوماسي، بل قرار استراتيجي تدعمه أدوات سياسية واستخباراتية ودبلوماسية فاعلة.
ومجرد علم واشنطن وتل أبيب بأن مصر على وشك التحرك العملي، يكفي لتغيير مسار الأحداث.
تصريحات ترامب، وإن بدت للوهلة الأولى تفاخرًا بالذات، إلا أنها في جوهرها اعتراف غير مباشر بقوة الدور المصري، وبأن القاهرة أصبحت هى القوة الأخرى التي تخشاها القوى الكبرى، عندما تقترب المنطقة من حافة الانفجار.. فالتاريخ الحديث يؤكد أن مصر لا تتراجع، عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي أو بالقضية الفلسطينية، التي كانت وستظل جزءًا لا يتجزأ من أمنها واستقرارها.
ولعل هذا ما يفسر اختيار ترامب لكلماته بعناية عندما قال: قوى أخرى أعرفها جيدًا، لأنها ليست مجهولة بالنسبة له أو للعالم… إنها جمهورية مصر العربية، الدولة التي لا تسمح لأحد أن يعبث بجوارها أو يفرض واقعًا جديدًا في محيطها الإقليمي.
في النهاية، لم يكن ترامب هو من أوقف نتنياهو، بل كان السياسي الذي أدرك أن الوقت ينفد، وأن القاهرة كانت على وشك التحرك بطريقة لا يمكن لأحد — لا في واشنطن ولا في تل أبيب — السيطرة على نتائجها.
تدخل ترامب فقط ليُظهر أنه صاحب القرار، بينما كان القرار الحقيقي قد اتُّخذ فعلاً في القاهرة.. وهكذا، أثبتت الأحداث مجددًا أن مصر هي صمام الأمان في المنطقة، وأن صوتها عندما يرتفع تتوقف المدافع وتُفتح أبواب الحلول.. فهي الدولة التي لا تكتفي بالبيانات، بل تملك على الأرض من القوة والنفوذ ما يجعل العالم كله يصغي عندما تتحدث القاهرة