سياسة

المال السياسي يطفو على السطح مع اقتراب انتخابات مجلس النواب

المال السياسي يطفو على السطح مع اقتراب انتخابات مجلس النواب

كتب : حسام النوام 

مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب 2025، تزداد سخونة المشهد السياسي وتتعالى الأصوات المطالبة بضرورة ضبط الأداء الانتخابي وحماية إرادة الناخبين من أي محاولات للتأثير غير المشروع. وفي ظل هذه الأجواء، تعود إلى الساحة السياسية واحدة من أخطر الظواهر التي تهدد نزاهة العملية الانتخابية، وهي ظاهرة المال السياسي التي بدأت تطفو مجددًا على السطح، في صورة محاولات لشراء الأصوات أو تقديم مساعدات مالية وعينية للناخبين بهدف التأثير على اختياراتهم.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الهيئة الوطنية للانتخابات والأجهزة المعنية لمراقبة الإنفاق الانتخابي وضمان الشفافية، فإن الواقع يشير إلى أن بعض المرشحين أو أنصارهم يحاولون الالتفاف على القانون بطرق مختلفة، سواء من خلال تقديم مبالغ مالية بشكل مباشر أو توزيع سلع تموينية أو حتى عبر وعود بتعيينات ووظائف مقابل دعمهم في صناديق الاقتراع. تلك الممارسات تمثل تعديًا صارخًا على حق المواطن في الاختيار الحر، وتفتح الباب أمام برلمان لا يعبر عن الإرادة الشعبية بقدر ما يعكس قوة المال والنفوذ.

في المجتمعات التي تعاني من ضغوط اقتصادية ومعيشية، يجد المال السياسي طريقًا سهلًا للتغلغل، فيتحول صوت المواطن إلى سلعة قابلة للمساومة، وتغيب البرامج الانتخابية الجادة لتحل محلها الصفقات الفردية والمكاسب اللحظية. وهنا تكمن الخطورة، لأن الصوت الذي يُباع لمرة واحدة، قد يُفقد صاحبه حقه في المطالبة بالخدمات والحقوق لأعوام طويلة. المال السياسي لا يُفسد فقط العملية الانتخابية، بل يفرز برلمانًا هشًا يفتقد للشرعية الشعبية، ويفتح الطريق أمام من يسعون لتحقيق مصالح شخصية على حساب الصالح العام.

القانون المصري واضح وصارم في مواجهة هذه الممارسات، إذ يجرم أي محاولة للتأثير المادي أو المعنوي على الناخبين. وتنص القوانين المنظمة للعملية الانتخابية على عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة لكل من يقدم أو يعرض أو يعد بمنفعة مقابل الصوت الانتخابي. إلا أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في النصوص القانونية بقدر ما تكمن في صعوبة تطبيقها على أرض الواقع، خاصة في القرى والمناطق التي تنتشر فيها العلاقات الاجتماعية المعقدة، والتي يستغلها البعض لتمرير المال السياسي في صورة “مساعدات إنسانية” أو “خدمات اجتماعية”.

المسؤولية هنا لا تقع على الدولة وحدها، بل على وعي المواطن أيضًا. فالصوت الانتخابي ليس مجرد ورقة توضع في صندوق، بل هو أمانة تحدد مصير أمة بأكملها. وحين يرفض الناخب أن يبيع صوته أو يفرط في قناعاته، فإنه يسهم في بناء مستقبل أفضل له ولأبنائه. أما من يرضى ببيع صوته مقابل مال زائل، فإنه في الحقيقة يشارك في هدم ما يحلم به من عدالة ومساواة وكرامة.

الخبراء يؤكدون أن المال السياسي هو سرطان الديمقراطية، لأنه يضرب قيم النزاهة وتكافؤ الفرص في الصميم، ويحول الانتخابات من سباق للكفاءة والبرامج إلى سوق للمزايدات والمصالح. الحل لا يكمن فقط في تغليظ العقوبات، بل في رفع الوعي العام، وتكثيف حملات التثقيف السياسي التي تشرح للمواطن أن صوته أقوى من أي مبلغ مالي، وأن من يشتري الصوت اليوم سيغيب غدًا عن خدمة الناس ومطالبهم.

المعركة الانتخابية القادمة لن تكون فقط بين المرشحين على المقاعد، بل بين وعي المواطن ونفوذ المال. فحين ينتصر الوعي، تنهزم كل أشكال الفساد، وتعلو قيم النزاهة والوطنية. أما حين يطغى المال، تضيع العدالة وتُفرغ الديمقراطية من معناها الحقيقي.

إن الانتخابات ليست مجرد حدث سياسي، بل هي امتحان لقيمة الضمير الجمعي للشعب، ومدى إيمانه بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الصندوق، لا من الجيوب. وإذا أردنا برلمانًا قويًا يعبر عن مصر الحقيقية، فعلينا أن نحارب المال السياسي بالوعي، وأن نحافظ على شرف الصوت الانتخابي، لأنه ليس ورقة في صندوق، بل صوت وطن بأكمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى