منوعات

غيرة الرشيد من سلطان البرامكة وتحكمهم فيه

غيرة الرشيد من سلطان البرامكة وتحكمهم فيه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، ودبر عباده على ما تقتضيه حكمته وكان بهم لطيفا خبيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكان على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن حادثة البرامكة في العصر العباسي، وتنكيل هارون الرشيد بهم وقتلهم جميعا، وكان يحيى البرمكي يحذر هذه النتيجة، وهي نتيجة الإنقلاب من الخليفه عليهم ويعمل على قصر سلطان جعفر فقال للرشيد غير مرة يا أمير المؤمنين، إنني أكره مداخل جعفر، ولست آمن أن ترجع العاقبة عليّ في ذلك منك، فلو أعفيته، وإقتصرت على ما يتولاه من جسيم أعمالك.

لكان أحب إلي، وأولى بتفضلك، فلم يقبل الرشيد هذا، وكثيرا أيضا ما كان يحيى يقول الحكيم من توقع الشر، ويقول لا أرحام بين الملوك وبين أحد، خصوصا وأنه علم أن الرشيد يصغي إلى الفضل بن الربيع، وقد أحكم الرشيد فعلته، ونشر الجواسيس يتجسسون على من يمدحون البرامكة، ويبكون عليهم، ويقطع رأس من بلغه شيء عنه، حتى خشي الناس، وأنكروا الصنيع، وأسدل الستار على هذه القتلة الشنعاء، وهذا أهم سبب لقتل البرامكة، وهو غيرة الرشيد من سلطانهم وتحكمهم فيه، وعلو شأنهم على شأنه، أما ما عداه من الأسباب فأسباب ثانوية، وقد أولع المؤرخون أن يجعلوا لكل شيء كبير سببا واحدا، فلا بد أن يكون لغضب الرشيد على البرامكة سبب واحد، وليس قدر جعفر ولا أصوله بأقل من قدر الرشيد نفسه وأخته، إلا أن الرشيد فخور بعربيته، وجعفرا فخور بفارسيته.

والرشيد فخور بابن عباس وجعفر فخور بجده برمك، والإسلام يقول “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولو خطب الرشيد لأخته ما عثر على مثل جعفر، ولكنها السياسة أرادت أن تكرّه الشعب في البرامكة، فإخترعت لها إختراعات متعددة من مثل هذا الزواج الذي ليس فيه ما يؤخذ عليه، ورميهم البرامكة بالزندقة، ونحو ذلك وكلها خوفا من الناس أن يثوروا على الرشيد لفتكه بقوم عدول في حكمهم، كرماء لقصادهم، محبين لمن يتصل بهم وقاتل الله السياسة، وعلى كل حال غضب الرشيد عليهم من كثرة ما سمع من الفضل بن الربيع، ومن زبيدة وأنصارهما، ونوى أن يسلبهم سلطانهم ويسترد تصرفه كما يشاء، وأخذ يستشير غيرهم من مثل يزيد بن مزيد الشيباني، وهرثمة بن أعين، فأخذ الرشيد يتغير قلبه على البرامكة، ويستقبح منهم ما كان يستحسن.

فحدثنا الجهشياري، أن الرشيد سمع مرة ضجة شديدة، فقال ما هذا؟ فقيل له يحيى بن خالد ينظر في أمور المتظلمين، فدعا له الرشيد، وقال “بارك الله فيه، وأحسن جزاءه” فقد خفف عني، وحمل الثقل دوني، وناب منابي، ثم ذكره ذكرا جميلا وأمّن الحاضرون على قوله، وزادوا في ذكر محامده، هذا أيام الرضا أما حين تغير قلبه فقد ارتفعت ضجة شديدة كتلك، فقال الرشيد ما هذا؟ فقيل يحيى بن خالد ينظر في أمور المتظلمين فذمه، وسبه، وقال فعل الله به، وفعل إستبد بالأمور دوني، وأمضاها على غير رأيي، وعمل بما أحبّه دون محبّتي، فأمّن الحاضرون على رأيه، وزادوا في ذكر المساوئ، ودخل يحيى مرة أخرى على الرشيد، وهو خال فإنتظر قليلا، فلم يفتح له حديثا فإستأذن وخرج، فقال الرشيد لبعض الخدم الحق بيحيى فقل له “خنتني فاتهمتني” فقال للرسول.

” تقول له يا أمير المؤمنين، إذا إنقضت المدة كان الحتف في الحيلة ووالله ما انصرفت عن خلوتك إلا تخفيفا عنك” فلما أراد أن يقبض على جعفر قال له أبو زكار ناشدتك الله إلا ألحقتني به، فقال له مسرور وما رغبتك في ذلك؟ فقال إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده، وحكى مسرور ذلك للرشيد فقال هذا رجل فيه مصطنع، فاضممه إليك فانظر ما كان يجريه عليه جعفر فأتممه له، وهي رواية تخالف بعض الشيء الرواية السابقة في

مقتل جعفر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى