منوعات

العيد القومي لفرنسا… يوم الحرية والمجد

العيد القومي لفرنسا… يوم الحرية والمجد

 

بقلم. عبدالحميد نقريش :

يُعد العيد القومي لفرنسا، الذي يُحتفل به في الرابع عشر من يوليو كل عام، أكثر من مجرد مناسبة وطنية؛ إنه ذكرى محفورة في وجدان الشعب الفرنسي ترمز إلى الانتصار على الظلم والعبودية، وإشراقة فجر جديد من الحرية والكرامة الإنسانية. يُطلق عليه La Fête Nationale أو Bastille Day نسبةً إلى سقوط سجن الباستيل عام 1789، والذي كان رمزًا للاستبداد الملكي والقمع السياسي.

اختيار يوم الرابع عشر من يوليو لم يأتِ عبثًا، بل جاء تخليدًا للحظة مفصلية في تاريخ فرنسا. في هذا اليوم اقتحم الشعب الباريسي سجن الباستيل، ليس فقط لتحرير السجناء، ولكن لاقتلاع جذور الظلم والقهر. ومنذ ذلك اليوم، أصبح هذا التاريخ عنوانًا لتحرر الإنسان من الاستبداد، وعلامة بارزة في طريق بناء دولة تقوم على القيم الإنسانية

الثورة الفرنسية لم تكن مجرد انتفاضة شعبية، بل كانت صرخة حق دوّت في أنحاء العالم، أعادت صياغة مفاهيم السلطة والعدالة. كانت الثورة صراعًا من أجل كرامة الإنسان، من أجل إسقاط امتيازات طبقة النبلاء، ومن أجل منح الشعب حقه في تقرير مصيره. لقد علّمت العالم أن الصمت أمام الاستبداد خيانة، وأن السكون أمام الظلم موت بطيء

الثورة لم تولد من فراغ؛ لقد كانت نتيجة تراكمات طويلة من القهر والفقر والاستبداد. من أبرز أسباب الثورة:

 • الظلم الاجتماعي: تركز الثروة في يد القلة من النبلاء ورجال الدين، بينما عاش عامة الشعب في فقر مدقع.

 • الأزمات الاقتصادية: الضرائب الباهظة والمجاعات وارتفاع الأسعار أدت إلى انفجار الغضب الشعبي.

 • الاستبداد السياسي: الحكم المطلق للملوك دون مراعاة صوت الشعب فجر الغضب الجماهيري.

 • أفكار التنوير: فلاسفة مثل فولتير وروسو ومونتسكيو زرعوا بذور الحرية والمساواة، وألهبوا مشاعر الناس نحو التغيير.

الثورة الفرنسية، رغم دمويتها وتعقيداتها، تركت وراءها إرثًا خالدًا:

 • إسقاط الملكية المطلقة، وإعلان الجمهورية.

 • إقرار حقوق الإنسان والمواطن عام 1789، والتي أصبحت مصدر إلهام للشعوب كافة.

 • ترسيخ مبادئ الحرية والمساواة والإخاء كقيم أساسية للدولة الحديثة.

 • نشر روح التغيير والثورة في أوروبا والعالم، فقد كانت شرارة ألهمت حركات التحرر في كل القارات.

طريق الاستقرار لم يكن سهلاً؛ فقد مرت فرنسا بسنوات من الحروب، والفوضى السياسية، وانقلابات متعددة. من سقوط الباستيل وحتى استقرار الجمهورية الفرنسية الخامسة استغرق الأمر عقودًا من الصراع والتجربة والخطأ. اليوم، وبعد أكثر من قرنين، تقف فرنسا شامخة، قوية، وديمقراطية، تحمي الحريات وتؤمن بالعدالة الاجتماعية.

فرنسا اليوم… شامخة بين الأمم

فرنسا اليوم هي دولة القانون، صوت العدالة، وحامية حقوق الإنسان. دولة تنبض بالفن، والثقافة، والحضارة. من باريس عاصمة النور، إلى كل زاوية من أرضها، تتحدث فرنسا عن تاريخ مجيد ومستقبل مشرق، أمة تقف في وجه الاستبداد أينما كان، وتدافع عن قيم الإنسانية في كل زمان ومكان.

الحرية، المساواة، الإخاء

الثلاثية الذهبية “Liberté, Égalité, Fraternité” ليست مجرد شعار، بل فلسفة حياة فرنسية:

 • الحرية: حق الإنسان في التعبير، في الاختيار، في الحياة الكريمة.

 • المساواة: لا تفاضل بين إنسان وآخر بسبب العرق أو الدين أو الجنس.

 • الإخاء: روح التضامن والتكافل، يدٌ واحدة تبني الوطن وتدافع عنه.

تحية إجلال وتقدير لثورة صنعت مجد أمة، لذكرى تعيد إلى الأذهان معنى الكرامة، ولشعب ع

لّم العالم أن صوت الحرية لا يُقهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى