منوعات

التخاطب بين أمير المؤمنين وقائده

التخاطب بين أمير المؤمنين وقائده

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله كما ينبغي لجلاله فهو الرحيم الرؤوف، اللطيف بعبده المؤمن في كل الظروف، فلو أُلقي العبد في بحر زاخر وهو مكتوف، أو طرح في الخلاء عاريا في يوم قر عصوف، أو ناله في قعر سجن من العذاب صنوف، أو ألقي في غيابة جب مظلم وهو مكفوف، أو أصابه من الأسقام مرض غير معروف، أو صلب في جذوع النخل مظلوما والناس عنه عزوف، لم يعني ذلك أنه من ديوان الحب محذوف، فاللطف منه الخفي ومنه الظاهر المكشوف، يونس وأيوب ويوسف، ويمين بالله محلوف، على أنهم والأواه قد نالهم من البلاء صنوف، هم الكواكب وشمسهم أحمد على حب الإله عكوف، فإن هوى المحب على مراد حبيبه معطوف، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة حريص ملهوف، على أن يموت عليها ولو ضربا بالسيوف، شهادة تحمينا من الشرور وسوء الحتوف.

وتنأى بنا عن المنكر، وتسلك بنا طريق المعروف، شهادة نبعث عليها آمنين إذا لحق بالقمر الخسوف، وننجو بها من الفزع الأكبر والهول المخوف، شهادة تحقق لنا من الله وعدا غير مخلوف، وتلحقنا بالموحدين المخلصين لحوق الأصابع بالكفوف، وتظلنا بظل العرش حيث الكل بين يدي الحق موقوف، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الموصوف، نورا كضوء الشمس من غير سحب أو كسوف، هل سعد الزمان بمثله أو صنوه؟ إلف ألوف، أو شرف الكلام بمثل حكمته ثمار وقطوف، لو جاءت الأيام كلها تسعى في صفوف، لزفت الليالي يوم مولده بالدفوف، درة الأيام على مر الزمان عطوف، بعبير أنفاس عبقت بها جدران مكة والسقوف، لو أن نبت الأزهار من قطر الندى مألوف، لنبت من حبات عرقه من الورود ألوف، لو علم جده حين كان بالبيت يطوف.

مستبشرا به كم رغمت بمبعثه أنوف، لظل يلهج بالثناء بغير ملل أو وقوف، ولعلم أن ما سماه به مختارا من حروف، قد سبق به القرآن وبشهادة الرب محفوف، محمد رسول الله في سورة الفتح موصوف، لو يعلم الواطئ ثرى المدينة بنعله المخصوف، ما يحوي الثرى لمشى على الجفون كمشية المشغوف بالحب، أو بالشوق، أو كرجاء طفل من أمه مخطوف، أهو الشوق، أم هو الحب، بل كلام الصب غير مألوف، فاللهم صلي وسلم وبارك على من زان الوجود بشخصه، وزان القلوب بوصفه، وزان العقول بصدقه، وزان العيون برسمه، وزان الأفواه باسمه، وبمثل طيبه أبدا لم تحظ الأنوف أما بعد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجه جيشا ورأس عليهم رجلا يقال له سارية، قال فبينما عمر يخطب فجعل ينادي يا ساري الجبل ثلاثا.

ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا، يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله، قال فقيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك، وعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما، أن عمر قال على المنبر يا سارية بن زنيم الجبل فلم يدر الناس ما يقول حتى قدم سارية بن زنيم المدينة على عمر، فقال يا أمير المؤمنين كنا محاصري العدو، فكنا نقيم الأيام لا يخرج علينا منهم أحد نحن في خفض من الأرض وهم في حصن عالي، فسمعت صائحا ينادي بكذا وكذا يا سارية بن زنيم الجبلن فعلوت بأصحابي الجبل، فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا، وقال الواقدي حدثني أسامة بن زيد عن أسلم عن أبيه وأبو سليمان عن يعقوب بن زيد، قالا خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يوم الجمعة إلى الصلاة.

فصعد المنبر ثم صاح يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من إسترعى الذئب الغنم، ثم خطب حتى فرغ، فجاء كتاب سارية إلى عمر إن الله قد فتح علينا يوم الجمعة ساعة كذا وكذا، لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر، قال سارية فسمعت صوتا يا سارية بن زنيم، الجبل يا سارية بن زنيم الجبل ظلم من استرعى الذئب الغنم، فعلوت بأصحابي الجبل، ونحن قبل ذلك في بطن وادي ونحن محاصرو العدو ففتح الله علينا، فقيل لعمر بن الخطاب ما ذلك الكلام ؟ فقال والله ما ألقيت له بالا شيء ألقي على لساني فهذه طرق يشد بعضها بعضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى