الإعتكاف وإنقطاع الإنسان عن الناس
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين الذي تفرد بجلال ملكوته، وتوحد بجمال جبروته وتعزز بعلو أحديته، وتقدس بسمو صمديته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، شهادة موقن بتوحيده، مستجير بحسن تأييده، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلي عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين أما بعد، لقد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن موضوع الإعتكاف، وأما عن خروج المعتكف ببدنه، فإن الخروج لما لا بد له منه حسا كحاجة الإنسان من بول وغائط، فهذا جائز بإجماع أهل العلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان”
وله الخروج إذا إحتاج إلى الأكل والشرب إذا لم يكن له من يأتيه به، أو لما لا بد له منه شرعا كالطهارة، وأيضا الخروج من غير حاجة يفسد الإعتكاف لأن ملازمة المسجد ركن الإعتكاف الأعظم، ولمفهوم حديث السيدة عائشة رضي الله عنها ويستوي في ذلك القليل والكثير، وهذا هو الأصل في مفسدات العبادة كنواقض الوضوء، ومفسدات الصيام، وأما عن خروج بعض بدن المعتكف فإنه لا يفسد الإعتكاف بذلك كمن أخرج رأسه من باب المسجد أو من النافذة، وذلك لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه فأرجّله” والإعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، من الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن والتفكر وغير ذلك، وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لا أعلم من أحد من العلماء خلافا أن الإعتكاف مسنون، والمقصود بالإعتكاف هو إنقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده، طلبا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر، وكما يعبر عن ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى يقول حقيقة الإعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق، للاتصال بخدمة الخالق، ويقول أيضا المعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله، وما يرضيه عنه، ولذلك ينبغي على المعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم، وأنه ليس لوقت الاعتكاف حد محدود في أصح أقوال أهل العلم.
فللإنسان أن يعتكف العشر الأخيرة من رمضان كلها وهذا أفضل الإعتكاف وهو إعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم، وله أن يعتكف بعضها، وله أن يعتكف يوما وليلة، وله أن يعتكف ليلة كاملة، وله أن يعتكف بعض يوم أو بعض ليلة كساعة أو ساعتين، أو بين العشائين، أو من العصر إلى المغرب، أو من القيام الأول إلى الثاني، في العشر الأواخر، كل ذلك سائع لأن الشرع لم يحدد وقتا لأقتله ولا لأكثره، فما إعتبر إعتكافا في اللغة صح شرعا مع إعتبار النية في ذلك كغيره من العبادات، وليس من شرطه الصيام ولا أن يكون في رمضان لكنه مع الصيام وفي رمضان أفضل، ومن إعتكف العشر الأخيرة من رمضان فالسنة له أن يدخل معتكفة بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويخرج بإنتهاء العشر ليلة العيد.