إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
بقلم: د. كريم أبوعيش
هذه الآية العظيمة ليست مجرد حكمة تُتلى، بل قانون إلهي يحكم حركة الحياة.
فالتغيير لا يبدأ من الخارج، ولا يُفرض بقرارات أو أمنيات، بل يبدأ من داخل الإنسان، من قراره بأن يكون أفضل، ومن وعيه بأن إصلاح الحال يبدأ من إصلاح النفس.
كثيرون ينتظرون أن تتغير الظروف، أو أن يتحسن المجتمع، أو أن تأتيهم الفرصة المناسبة… لكن الحقيقة أن التغيير الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من الداخل.
حين يقرر الإنسان أن يغيّر فكره، وسلوكه، ونظرته للحياة، يبدأ كل شيء من حوله في التحول.
إنها معادلة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد: لن يتبدل حالنا ما دمنا نعيش بنفس العادات، ونكرر نفس الأخطاء، ونسلك نفس الطرق ثم ننتظر نتائج مختلفة.
الجميع يشتكي من اتساخ الشوارع، ومن ضعف الوعي العام بالنظافة، لكن من الذي يرمي المخلفات في الطريق؟ نحن.
نغضب لأن الشارع غير نظيف، بينما أيدينا هي التي تُلقي القمامة، وألسنتنا هي التي تبرر ذلك بأنه “تصرف بسيط لا يؤثر”.
الجميع يشتكي من غلاء الأسعار، لكن من الذي يرفعها بلا سبب؟ نحن أيضًا، حين نغالي في الربح، أو نبرر الجشع باسم “الفرصة”، أو نسكت عن تاجر يتلاعب بالسوق بدلاً من أن نرفض شراء ما تجاوز قيمته.
نلوم المسؤول حين يتأخر في قراره، بينما نحن نتأخر عن مواعيدنا.
نطالب بالاحترام في الشارع، ونحن من لا نحترم إشارة المرور.
ننتقد ضعف الأمانة في الوظائف، بينما نتهاون في أداء أعمالنا أو نضيع ساعات العمل في أحاديث جانبية.
هذه أمثلة بسيطة لكنها تعكس حقيقة مؤلمة: نحن جزء من المشكلة قبل أن نكون ضحاياها.
وحين ندرك ذلك بصدق، نكون قد خطونا أولى خطوات التغيير.
الله سبحانه لا يظلم أحدًا، بل يمنح كل إنسان القدرة على التغيير.
لكن تلك القدرة لا تُثمر إلا حين نستخدمها بصدق.
فمن أراد التوفيق، عليه أن يغيّر ما في نفسه من تهاون إلى اجتهاد، ومن شكوى إلى سعي، ومن يأس إلى أمل.
ومن أراد مجتمعًا أفضل، فليبدأ بإصلاح بيته، ولسانه، ونيّته، لأن صلاح الأمم لا يُبنى إلا من صلاح الأفراد.
التغيير يبدأ من فكرة، ثم يتحول إلى إرادة، ثم إلى فعل.
وحين تتغير النوايا، وتتبدل العزائم، فإن الله يفتح الأبواب المغلقة، ويبدّل الأحوال من حالٍ إلى حال.
وفي النهاية،
هذه الآية ليست دعوة للتأمل فقط، بل خريطة طريق للحياة:
إذا أردت أن يغيّر الله حالك، فابدأ أنت أولًا بتغيير نفسك.
فالله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
حديث_الثلاثاء