أيام رمضان معدودة وساعاته محدودة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبّحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكوما بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فما من شيء إلا هو خالقه، ولا من رزق إلا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبّره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، خير من قام وصام وأفضل من أعطى وجاد، صلوات ربي وسلامه عليه، إعتز بالله فأعزه، وإنتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسّر له أمره، ورفع له ذكره، وذلل له رقاب عدوه، اللهم صلي وسلم وبارك عليك يا رسول الله وعلى أهلك وصحبك ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن أيام رمضان معدودة وساعاته محدودة ولياليه مباركة.
فلتكن فيه الطاعة، وبذل القناعة، والعمل ليوم الساعة، بالصيام إيمانا واحتسابا، والقيام إيمانا وإحتسابا، وتلاوة القرآن تقربا وترفعا والذكر والصلاة إحسانا وتوفيقا والصدقة والمواساة شكرا وثناء، وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سُئل كيف كنتم تستقبلون شهر رمضان؟ فقال ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم، فبادر أنت بالخير إذا أعرض عنك أخوك وكن أنت الأخير والأفضل عند الله، فينبغي على المرء أن يحسن إختيار الصاحب، لأنه يكون على هديه وطريقته ويتأثر به، كما قيل الصاحب ساحب، حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخص فسأل عن أصحابه، وقال العلماء لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه، ولا تغرر بدينك ولا تخاطر بنفسك فتخالل من ليس مرضيا في دينه ومذهبه.
والجليس الصالح مثل حامل المسك وهو مستفيد على كل حال إما أن يعطيك، وإما أن يبيع لك، وإما أن يعلق فيك رائحة طيبة، كذلك الجليس الصالح إما أن يأمرك بالخير، وإما أن ينهاك عن الشر، وإما أن يدعوك إلى الخير ويحضك عليه، فأنت مستفيد، كذلك جليس السوء إما أن يزهدك من الخير أو يرغبك في الشر، فأنت متضرر على كل حال، فهذه رسالة أوجهها لآبائي وإخواني وأبنائي وكل فئات المجتمع أن يحسنوا إختيار الصحبة ولا سيما في رمضان لشدة تأثيرها كما ذكر، فعلى كل إنسان أن يدخل شهر رمضان بالإجتهاد في العبادة والعمل بأمل ورجاء ولنا في رسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة فكان يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره، كما كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، فكان يجمع بين العمل والأمل والرجاء والعبادة والجود.
وإن من ينظر إلى واقعنا المعاصر يجد أن معظم الشباب إلا من رحم الله يظنون أن شهر رمضان شهر كسل وخمول وراحة وهدنة من العمل، فهم يسهرون ليلهم في فراغ مغبون ويقضون يومهم نياما وهذا مخالف لما كان عليه هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ولو رجعنا إلى كتب المغازي ولسير لوجدنا أن معظم الفتوحات والمغازي والإنتصارات كانت في رمضان مع شدة الحر ومرارة الجوع والعطش وتاريخ المسلمين الطويل شاهد على أن هذا الشهر هو شهر الإنتاج والعمل، وشهر الإنتصارات الكبرى، حين تهب ريح الإيمان، ونسمات التقوى، مع اليقين في الله بأمل ورجاء وتتعالى صيحات الله أكبر فيتنزل النصر من الله تعالى، على قلة العدد وقلة العدد، ابتداء من بدر، ومرورا بفتح مكة وحطين وعين جالوت، وإنتهاء بحرب العاشر من رمضان التي نحيا على أطلالها حتى اليوم.
زر الذهاب إلى الأعلى