منوعات

أعظم قطيعة للرحم 

أعظم قطيعة للرحم 

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد إن عقوق الوالدين أعظم قطيعة للرحم ومن أشد الظلم، بل هو تفتيت للقيم وذهاب للشيم وسقوط من هام القمم، وإن الإحباط كل الإحباط أن يفاجأ الوالدان بالتنكر للجميل، وقد كانا يتطلعان للإحسان ويؤملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا الولد ذكرا أو أنثى يتخاذل ويتناسى ضعفه وطفولته، ويعجب بشأنه وفتوته، ويغره تعليمه وثقافته، ويترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتأفف والتبرم، ويجاهرهما بالسوء وفحش القول، يقهرهما وينهرهما، يريدان حياته ويريد موتهما، كأني بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين.

تئن لحالهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما المروءة، فليحذر كل إنسان عاقل من التقصير في حق والديه، فإن عاقبة ذلك وخيمة، ولينشط في برهما فإنهما عن قريب راحلين وحينئذ يعض أصابع الندم، فإن بر الوالدين من شيم النفوس الكريمة والخلال الجميلة، ولو لم تأمر به الشريعة لكان مدحة بين الناس لجليل قدره، كيف وهو علاوة على ذلك تكفر به السيئات، وتجاب الدعوات عند رب البريات، وبه تنشرح الصدور وتطيب الحياة ويبقى الذكر الحسن بعد الممات، فالأم التي حملت وليدها في أحشائها تسعة أشهر، مشقة من بعد مشقة لا يزيدها نموه إلا ثقلا وضعفا ووضعته كرها وقد أشرفت على الموت، فإذا بها تعلّق آمالها على هذا الطفل الوليد، رأت فيه بهجة الحياة وزينتها، وزادها بالدنيا حرصا وتعلقا ثم شغلت بخدمته ليلها ونهارها، تغذيه بصحتها وتريحه بتعبها.

طعامه درّها، وبيته حجرها ومركبه يداها وصدرها، تحوطه وترعاه، فتجوع ليشبع، وتسهر لينام، فهي به رحيمة، وعليه شفيقة، إذا غابت دعاها، وإذا أعرضت عنه ناجاها، وإن أصابه مكروه إستغاث بها، يحسب أن كل الخير عندها، وأن الشر لا يصل إليه إذا ضمّته إلى صدرها أو لحظته بعينها، أفبعد هذا يكون جزاؤها العقوق والإعراض؟ فاللهم عفوا ورُحما، وهذا عاق رمى أمه في دار العجزة ولم يزرها لعدة سنوات وزمن طويل لم يعرفها، حتى الإتصال لم يتصل عليها، فحرم نفسه برها، وإكتسب الإثم بعقوقها، وعندما حانت ساعة وفاتها ولحظات إحتضارها بكت، لأنها الأم الحنون، الأم الرءوم، بكت ونادت المسؤولين وقالت لهم اتصلوا على ولدي، أريد أن أضمه قبل أن أموت، أريد أن أقبله، أريد أن أعانقه، يا الله يالها من رحمة جعلها الله في قلوب الآباء والأمهات.

تريد أن تراه بعد ذلك العقوق، فإن حنانها وعطفها وحبها لوليدها أبى عليها إلا أن تضمه وتقبله وتعانقه، فماذا عساه يفعل ؟ أيهرع لزيارتها ؟ أينكب عليها مقبلا ومتسامحا ؟ أيذرف دموع الحزن والأسى على ما فرط في جنب أمه ؟ لا هذا ولا ذاك، فإتصلوا على ولدها وقالوا له إن أمك تحتضر وتريد أن تراك وتقبلك وتملأ عينيها برؤيتك قبل أن تموت، فقال العاق ما عندي وقت، وقتي ضيق وعندي أعمال ولدي تجارات ثم أغلق الهاتف، ثم ماتت هذه الأم ولم تري ولدها، ولكنها ماتت ساخطة عليه ومن سخط عليه والديه سخط الله عليه، فإتصل المسؤولون على الولد فقالوا لقد ماتت أمك فرد قائلا أكملوا الإجراءات وادفنوها، ياله من عقوق وأي عقوق، أترمى الأم في دار المسنين، أترمى قرة العين ومهجة الفؤاد دور الرعاية، أترمى من جعلت بطنها لك وعاء، وصدرها لك طعاما.

وحجرها لك مجلسا، أتترك تلك الحبيبة التي سهرت الليالي والأيام، أتعق من قاست لأجلك المتاعب والآلام وتركت الشراب والطعام من أجل راحتك وخدمتك، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن العقوق دين وفاؤه الأبناء، فمن بر والديه بر بنوه، ومن عقهم عقوه، فرحماك ربنا رحماك ” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى