منوعات

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون

ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون 

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد قيل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث جيشا لحرب الروم وكان من ضمن هذا الجيش شاب من الصحابة وهو عبد الله بن حذافه رضي الله عنه وطال القتال بين المسلمين والروم وعجب قيصر ملك الروم من ثبات المسلمين، وجرأتهم على الموت، فأمر أن يحضر إليه أسير من المسلمين، فجاءوا بعبد الله بن حذافة يجرونه والأغلال في يديه والقيود في قدميه، فأوقفوه أمام الملك، فتحدث قيصر معه فأعجب بذكائه وفطنته، فقال له تنصر وأطلقك من الأسر، فقال عبد الله لا، فقال قيصر تنصر وأعطيك نصف ملكي، فقال لا.

فقال تنصر وأعطيك نصف ملكي وأشركك في الحكم معي، فقال عبد الله والله لو أعطيتني ملكك وملك آبائك وملك العرب والعجم على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت، فغضب قيصر وقال أذن أقتلك، قال اقتلني، فأمر قيصر به فسحب وعلق على خشبة، وجاء قيصر وأمر الرماة أن يرموا السهام حوله ولا يصيبوه، وهو في أثناء ذلك يعرض عليه النصرانية وهو يأبى وينتظر الموت، فلما رأى قيصر إصراره، أمر أن يمضوا به إلى الحبس، ففكوا وثاقه ومضوا به إلى الحبس وأمر أن يمنعوا عنه الطعام والشراب فمنعوهما، حتى إذا كاد أن يهلك من الظمأ والجوع، أحضروا له خمرا ولحم خنزير، فلما رآهما عبد الله قال والله إني لأعلم أن ذلك يحل لي في ديني ولكني لا أريد أن يشمت بي الكفار فلم يقرب الطعام، فأخبر قيصر بذلك فأمر له بطعام حسن.

ثم أمر أن تدخل عليه امرأة حسناء تتعرض له بالفاحشة، فأدخلت عليه، وجعلت تتعرض له وهو معرض عنها، وهي تتمايل أمامه ولا يلتفت إليها فلما رأت المرأة ذلك خرجت غضبى وهي تقول والله لقد أدخلتموني على رجل لا أدري أهو بشر أم حجر، وهو والله لا يدري عني أأنا أنثى أم ذكر، فلما يئس منه قيصر أمر بقدر من نحاس فأغلي فيها الزيت، ثم أوقف عبد الله بن حذافة أمامها، وأحضروا أحد الأسرى المسلمين موثقا بالقيود حتى ألقوه في هذا الزيت وغاب جسده في الزيت ومات وطفت عظامه تتقلب في فوق الزيت، وعبد الله ينظر إلى العظام فالتفت قيصر إلى عبد الله وعرض عليه النصرانية، فأبى فإشتد غضب قيصر وأمر بطرحه في القدر فلما جروه إلى القدر وشعر بحرارة النار بكى ودمعت عيناه، ففرح قيصر وقال تتنصر وأعطيك وأمنحك قال لا.

قال إذن لماذا بكيت، فقال عبد الله أبكي لأنه ليس لي إلا نفس واحدة تلقى في هذا القدر فتموت، ولقد وددت والله أن لي مائة نفس كلها تموت في سبيل الله مثل هذه الموتة، فقال له قيصر قبل رأسي وأخلي عنك ؟ فقال له عبد الله وعن جميع أسارى المسلمين عندك، قال نعم، فقبل رأسه ثم أطلقه مع الأسرى، فسبحان الله العظيم فأين نحن اليوم من مثل هذا الثبات فيقول تعالي ” ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” فإن من المسلمين اليوم من يتنازل عن دينه لأجل دراهم معدودات أو تتبع الشهوات أو الولوغ في الملذات ثم يختم له بالسوء والعياذ بالله، ومن عدل الله تعالى أن العبد يختم له في الغالب على ما عاش عليه، فمن كان في حياته يشتغل بالذكر والقيام والصدقات والصيام ختم له بالصالحات، ومن تولى وأعرض عن الخير خشي عليه أن يموت على ما اعتاد عليه.

ولأجل هذا الفرق العظيم كان الصالحون يستعدون للموت قبل نزوله، بل يغتنم أحدهم آخر الأنفاس واللحظات في التزود ورفع الدرجات، فتجده يجاهد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويشتغل بالطاعات إلى آخر نفس يتنفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى