مصر بنهرين: قوة زراعية جديدة
بقلم : على فتحى
في المستقبل القريب قد تصبح مصر صورة مغايرة تمامًا لما نراه اليوم إذ يمكن أن تمتلك نهرين عظيمين يشقان أراضيها لخلق دلتين خضراوين بدلاً من الدلتا الحالية التي تعد من أهم المناطق الزراعية في مصر نهر النيل الذي يستمر في تدفقه عبر البلاد من الجنوب إلى الشمال قد يكون واحدًا من هذين النهرين لكن في هذا التصور المستقبلي سينضم إليه نهر آخر ينبع من عمق الصحراء الغربية أو من الجنوب الشرقي ليشكل شريان حياة جديدًا هذا النهر الجديد سيكون بمثابة نقطة تحول حقيقية لخلق دلتا جديدة يمكن أن تعيد رسم ملامح الحياة الزراعية والاقتصادية في مصر إن تدفق هذا النهر عبر الأراضي الصحراوية سيمكن من تحويل مساحات شاسعة من الأرض الجافة إلى واحات خضراء تضم محاصيل زراعية متنوعة وثرية ومن خلال هذا التصور يمكن أن نرى مصر وقد تحولت إلى سلة غذاء ضخمة لاحتياجاتها المحلية والعالمية.
وفي هذا السياق سنشهد ظهور دلتا جديدة على غرار دلتا النيل القديمة لكن بمساحات أوسع وأراضٍ أكثر خصوبة إذا كانت دلتا النيل الحالية هي المصدر الرئيسي للزراعة في مصر فإن الدلتا الجديدة التي ستنشأ نتيجة للنهر الثاني ستضاعف الإنتاج الزراعي وتوسع الرقعة الزراعية بشكل غير مسبوق هذه الدلتا الثانية ستفتح أبوابًا لفرص غير محدودة في مجال الزراعة وتحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي لمصر بل وقد تدفع بها لتصبح واحدة من أكبر المصدرين الزراعيين على مستوى العالم مع هذه الطفرة في الإنتاج الزراعي سيكون بإمكان مصر أن تؤمن احتياجاتها من الغذاء بشكل مستدام وتحسن من قدرة صادراتها على تلبية طلبات الأسواق العالمية.
لا تقتصر هذه الرؤية المستقبلية على الزراعة فحسب بل تمتد لتشمل أيضًا سيناء تلك الأرض التي لطالما كانت مجرد منطقة حدودية يمكن أن تتحول إلى مركز زراعي وتجاري يربط بين القارات سيناء يمكن أن تصبح أرضًا خصبة بفضل النهر الجديد الذي سيغذي أراضيها ويحولها إلى منطقة غنية بالزراعات الحديثة مع تحسين شبكات الري واستخدام تقنيات الزراعة الحديثة يمكن أن تصبح سيناء سلة غذاء ضخمة توفر المحاصيل الزراعية للسوق المحلي والدولي على حد سواء وفي الوقت نفسه مع تطور البنية التحتية ستصبح سيناء نقطة استراتيجية للتجارة بين قارات آسيا وأفريقيا مما سيجعل منها مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا.
التوسع الزراعي الذي سيحدث بفضل النهرين سيغير أيضًا من واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر يمكن أن تتحول المناطق الريفية إلى مجتمعات زراعية حديثة تضم مدنًا جديدة تركز على الزراعة والصناعات الغذائية يمكن أن تصبح هذه المدن نموذجًا للمدن المستدامة التي تعتمد على استخدام الطاقة المتجددة والموارد الطبيعية بشكل فعال كما يمكن أن توفر هذه المدن فرص عمل واسعة للعمالة الزراعية والصناعية مما يساهم في تقليل البطالة في المناطق الريفية والحد من تكدس السكان في المدن الكبرى.
من أجل أن يتحقق هذا الحلم المستقبلي يجب أن يتم تطوير استراتيجيات فعالة ومتكاملة أولًا يجب التركيز على إدارة الموارد المائية بشكل مثالي من خلال استخدام تقنيات تحلية المياه لإنتاج كميات إضافية من المياه الصالحة للزراعة كما يجب أن يتم إنشاء شبكات ري ذكية لتوزيع المياه بشكل أكثر كفاءة لضمان استخدامها في الأماكن الأكثر حاجة يمكن أيضًا تطبيق تقنيات الزراعة الدقيقة مثل الري بالتنقيط والرش والتي تساهم في تقليل الفاقد من المياه وتحسين إنتاجية الأراضي الزراعية.
إلى جانب ذلك لا بد من تطوير البنية التحتية في المناطق الجديدة مثل سيناء والدلتا الجديدة يجب إنشاء شبكات من الطرق والموانئ الحديثة لتسهيل النقل والتجارة مما يعزز التكامل بين المناطق الزراعية والمناطق الصناعية كما يجب تطوير شبكات الكهرباء والطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لدعم عمليات الري والصناعة في هذه المناطق الجديدة.
الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا هو أحد الركائز الأساسية لتحقيق هذا التصور يجب أن تخصص الحكومة والمستثمرين مزيدًا من الموارد لدعم الأبحاث الزراعية وتطوير أساليب جديدة في الزراعة المستدامة وزيادة الإنتاجية يمكن أن تلعب مراكز البحث العلمي دورًا مهمًا في توفير الحلول التكنولوجية المبتكرة مثل تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة مما يساهم في زيادة الإنتاج الزراعي حتى في الظروف البيئية الصعبة.
في هذا التصور المستقبلي لمصر سيكون من الضروري تحقيق شراكات استراتيجية مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية التي تملك الخبرات في مجالات مثل تحلية المياه والري والزراعة المستدامة يمكن أن تساهم هذه الشراكات في توفير التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتحقيق هذه الطموحات الكبرى كما أن الاستثمار في القطاع الخاص سيكون له دور كبير في تحقيق التحول المنشود حيث يمكن للشركات الكبرى أن تساهم في تطوير مشاريع استصلاح الأراضي وإنشاء المدن الزراعية.
بإجمال يمثل هذا التصور لمصر بنهرين ودلتين نموذجًا للنهضة الزراعية والاقتصادية التي تعتمد على الابتكار والاستدامة ورغم أن هذا التصور قد يبدو خياليًا في البداية فإن التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية القوية يمكن أن يجعل من هذا الحلم واقعًا ملموسًا مع توفر الموارد البشرية والطبيعية والتكنولوجية يمكن لمصر أن تصبح نموذجًا عالميًا للتنمية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي مما يعزز مكانتها على الساحة الدولية.