فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله العلي الأعلى، خلق فسوّى، وقدّر فهدى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العُلا، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله نبي الرحمة والهُدى، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار النجباء، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور والجزاء أما بعد فاتقوا الله عباد الله، حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم أما بعد ذكرت المصادر الإسلامية الكثير والكثير عن يوم القيامة وأهوال يوم القيامة، والصراط والميزان، وقد إختلف أهل العلم في الموزون الذي يوضع في الميزان، فمنهم من قال هي الأعمال، حيث إن الأعمال يوم القيامة تجسم ويكون لها عرض، ومنهم من قال إن الذي يوزن هو العامل نفسه، فقد دلت النصوص على أن العباد يوزنون يوم القيامة.
فيثقلون أو يخفون بمقدار إيمانهم، لا بضخامة أجسامهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة ” وقال اقرؤوا إن شئتم ” فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ” رواه البخاري ومسلم ومن قائل إن الموزون هو صحائف الأعمال، والذي رجحه أهل العلم أن العامل وعمله وصحيفة عمله كل ذلك يوزن لأن الأحاديث التي هي بيان القرآن قد وردت بكل من ذلك، ولا منافاة بينها، فالموزون هو الأعمال والصحائف والعامل نفسه، كلهم يوضعون على الميزان ويوزنون، لدلالة الأدلة عليها جميعا، فمن ثقلت موازين حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن تساوت حسناته مع سيئاته كان من أهل الأعراف بين الجنة والنار، ويؤجّل أمره حتى يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
ثم تدركه الشفاعة فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته إستحق النار، إلا أن يشفع فيه الشفعاء، أو يعفو الله عنه، ومن خفّت موازينه لكفره وشركه وتعاطيه لما يحبط عمله فهم الأخسرون أعمالا، المستوجبون للنار عذابا ونكالا، وقد يقول قائل ما فائدة الميزان، والله عز وجل يعلم أعمال العباد من خير أو شر؟ فقال ابن أبي العز الحنفي ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه وتعالى لجميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه؟ فيا عباد الله، إن العاقل الفطن هو الذي يأتي يوم القيامة وقد إستكثر من الحسنات وأثقل موازينه بالأعمال الصالحة، وقلل ما إستطاع من السيئات والأعمال الفاسدة.
ولعلنا نذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين بالأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة، ألا فاعلموا أن أعظم الأعمال الصالحة التي تثقل الميزان وترجحه يوم القيامة هو توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” فتوحيد الله مما يرجح الموازين يوم القيامة، وذكر الله تعالى مما يثقل كفة الحسنات، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” كلمتان حبيبتان إلي الرحمن، خفيفتان علي اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ” وقال صلى الله عليه وسلم ” الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن، أو تملأ ما بين السماوات والأرض ” رواه مسلم، والإنفاق في سبيل الله، وإمداد المجاهدين بالعدة والعتاد، مما يثقل الميزان.
فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من إحتبس فرسا في سبيل الله، إيمانا بالله، وتصديقا بوعده، كان شبعه وريه، وروثه، وبوله، حسنات في ميزانه يوم القيامة “