المشكلة الكبرى والداهية العظمى
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، اعلموا أيها الكرام أن تلك القبور التي غيبت فيها أجساد تحت التراب تنتظر البعث والنشور وأن ينفخ في الصور، فاجتمع أهلها تحت الثرى، ولا يعلم بحالهم إلا الذي يعلم السر وأخفى، وإن الموت هو أعظم تحدّ تحدى الله تعالي به الناس أجمعين، فالملوك والأمراء والحُجّاب والوزراء والشرفاء والوضعاء والأغنياء والفقراء، كلهم عجزوا أن يثبتوا أمام هذا التحدي الإلهي حيث يقول تعالي ” قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ” فأين الجنود وأين الملك ؟ وأين الجاه وأين الأكاسرة وأين القياصرة وأين الزعماء ؟
فقد أتى على الكـل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القـوم ما كانوا وصار ما كان من مُلك ومن مَلك كما حكى عن خيال الطيف وسنان فقال مرض أبو بكرة رضي الله عنه واشتد مرضه فعرض عليه أبناؤه أن يأتوه بطبيب فرفض، فلما نزل به الموت صرخ بأبنائه وقال أين طبيبكم ليرّدها إن كان صادقا، ووالله لو جاءه أطباء الدنيا ما ردوا روحه إليه، فيقول تعالي ” فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم”
فإنه الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات، ومن تأمل في الموت علم أنه أمر كبّار وكأس تدار على من أقام أو سار يخرج به العباد من الدنيا إلى جنة أو نار، ولو لم يكن في الموت إلا الإعدام وإنحلال الأجسام ونسيان أجمل الليالي والأيام لكان والله لأهل اللذات مكدرا ولأصحاب النعيم مغيرا، وليست المشكلة في الموت فالموت باب وكل الناس داخله، لكن المشكلة الكبرى والداهية العظمى ما الذي يكون بعد الموت أفي “جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر” أم في ” ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر” ولأجل ذلك فالصالحون يشتاقون إلى لقاء ربهم ويعدون الموت جسرا يعبرون عليه إلى الآخرة، نعم يفرحون بالموت ما دام يقربهم إلى ربهم، فإن هؤلاء أقوام أيقنوا أنه لا مهرب من نزول الموت فسعوا إليه قبل أن يسعى إليهم.
وأحبّوا لقاء الله فأحبّ الله لقاءهم وبذلوا مهجهم رخيصة في سبيل الله تعالى فما هو الجزاء ؟ فهو وعد الله تعالي ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ” نعم والله ذلك الفوز الكبير، فإذا أوقفهم ربهم بين يديه فرحوا بما ماتوا عليه فيبيض وجوههم ويرفع درجاتهم، بل كان الصالحون يفتنون في دينهم ويهددون بالموت فلا يلتفتون إليه نفوسهم صامدة على غاية واحدة هي الموت على ما يرضي الله تعالي، فهم كما قال الله لهم “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” نعم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.