أخبار مصر

سقوط الأنظمة وتحولات المنطقة

سقوط الأنظمة وتحولات المنطقة

بقلم: علي فتحي

 

المشهد السياسي في المنطقة العربية يعج بالأحداث التي تثير التساؤلات وتحفز على البحث والتفكير انهيار الأنظمة الديكتاتورية بشكل مفاجئ دون مقاومة تذكر هو أمر يثير الحيرة فكيف يمكن لأنظمة استبدادية كانت توصف بالقوة المطلقة أن تتهاوى في لحظات وتتبخر معها جيوش وأجهزة أمن ومخابرات مدججة بالسلاح كيف يختفي قادة كانوا يمسكون بزمام الأمور وكيف يغيب الحراك الشعبي المؤيد أو المعارض في مثل هذه التحولات ، وما جرى في سوريا يقدم نموذجا معقدا لهذه الظاهرة انهيار النظام السوري المفاجئ وغياب أي قتال حقيقي مع دخول قوات المعارضة المسلحة من إدلب إلى دمشق دون مواجهات يضع الكثير من علامات الاستفهام تزامن ذلك مع هروب بشار الأسد إلى روسيا واختفاء الجيش والمخابرات السورية بشكل كامل قد يشير إلى وجود صفقات خفية أو انهيارات داخلية لم تكن ظاهرة للعيان.

لكن الغريب في الحالة السورية كان الدور الإسرائيلي الذي أضاف طبقة جديدة من الغموض إلى هذا المشهد إسرائيل التي احتلت الجولان منذ عقود واستفادت من حالة الضعف في سوريا كانت تقدم الدعم لجماعات المعارضة بما في ذلك جبهة النصرة بل وأظهرت تقارير عديدة أنها كانت تعالج مقاتلي المعارضة في مستشفياتها مجانا تحت ستار المساعدات الإنسانية هذه التحركات لم تكن بعيدة عن رغبة إسرائيل في إضعاف سوريا كقوة إقليمية وضمان تفوقها العسكري والسياسي في المنطقة فالتدخل الإسرائيلي في سوريا لم يكن مفاجئا عند النظر إلى السياق الإقليمي إسرائيل دائما ما سعت إلى استغلال أي فراغ أو ضعف في الدول المجاورة لضمان أمنها وتوسيع نفوذها هذا الدور يمتد إلى ما هو أبعد من سوريا ليشمل إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بأكملها حيث يتم استغلال الانقسامات الداخلية والصراعات لتأمين حدودها وتثبيت مكاسبها الاستراتيجية الهدف الأكبر من هذه التحركات قد يكون تحويل سوريا إلى دولة سنية تضع حاجزا سياسيا ودينيا أمام العراق ذي الأغلبية الشيعية وإيران التي تعد الحليف الأقوى للنظام السوري هذا التوازن الجديد سيخدم المصالح الإسرائيلية والغربية على حد سواء بإضعاف المحور الإيراني الشيعي في المنطقة ، فما حدث في سوريا يشبه إلى حد كبير المشهد العراقي أثناء سقوط نظام صدام حسين عام 2003 عندما انهار النظام فجأة واحتل مشهد إسقاط تمثال صدام الساحة الإعلامية العالمية حينها بدا الأمر وكأنه لحظة انتصار شعبي ولكن الحقيقة كانت مختلفة تماما الانهيار السريع للنظام العراقي كان نتيجة لخطط محكمة وضغوط خارجية وترتيبات داخلية مشابهة لما حدث في سوريا ما بعد سقوط النظام العراقي دخلت البلاد في مرحلة من الفوضى والصراع الطائفي الذي غير المشهد الإقليمي بالكامل وأدى إلى تعزيز النفوذ الإيراني بشكل كبير .

من جهة أخرى التجربة السورية ترتبط بشكل أو بآخر بحكم حافظ الأسد الأب الذي أرسى قواعد النظام القمعي في سوريا خلال عقود حكمه كان نظامه يشبه حصنا منيعا يعتمد على الولاء المطلق للأجهزة الأمنية والمخابراتية حافظ الأسد لعب دورا بارزا في تعزيز النفوذ السوري الإقليمي لكنه أيضا عمل على تأمين نظام حكمه من خلال القمع والسيطرة المطلقة على كافة مفاصل الدولة انهيار هذا النظام مع بشار الأسد كشف هشاشة البنية التي أسسها الأب رغم مظهرها القوي ولسنا ببعيد فما حدث في تونس يقدم درسا مختلفا ولكنه ذو صلة الثورة التونسية التي أطاحت بزين العابدين بن علي كانت بداية لحقبة جديدة في المنطقة العربية سقوط بن علي كان سريعا ومفاجئا رغم سنوات من القمع والفساد ومع ذلك فقد كشفت المرحلة التالية عن التحديات الكبيرة التي تواجه الشعوب بعد إسقاط الأنظمة مرحلة انتقالية مليئة بالاضطرابات السياسية والاقتصادية وصراع القوى من أجل السلطة ومع ذلك بقيت تونس نموذجا للأمل في التغيير السلمي رغم تعقيداته وفي اليمن فقد كان مقتل علي عبد الله صالح مشهدا مختلفا تماما صالح الذي حكم اليمن لعقود طويلة بقبضة من حديد انتهت حياته بطريقة مأساوية وسط صراع دموي يعكس الانقسام العميق في البلاد نهاية صالح لم تكن مجرد انتقام شعبي بل كانت مؤشرا على التحولات الحادة التي يمكن أن تحدث عند انهيار الأنظمة القمعية ومع ذلك ترك غيابه فراغا سياسيا زاد من تعقيد المشهد اليمني وزاد من معاناة الشعب أما في ليبيا كان مقتل القذافي ذروة العنف الذي صاحب سقوط الأنظمة القمعية القذافي وقد حكم ليبيا لأكثر من أربعة عقود شهد نهايته في مشهد دموي بعد أن قبض عليه معارضوه وقتلوه القذافي كان رمزا للاستبداد والعنف الذي قد يُمارس من الأنظمة ضد شعوبها لكن طريقة مقتله أثارت تساؤلات حول مستقبل ليبيا في ظل الفوضى التي تبعت انهيار نظامه التحولات التي عاشتها ليبيا منذ ذلك الحين أظهرت أن إسقاط النظام ليس سوى البداية وأن بناء دولة مستقرة هو التحدي الأكبر.

تكرار مشاهد انهيار الأنظمة الديكتاتورية سواء في سوريا أو العراق أو تونس أو اليمن أو ليبيا يكشف عن هشاشة هذه الأنظمة رغم مظهرها القوي في الوقت نفسه تكون التدخلات الخارجية تلعب دورا محوريا في هذه التحولات ما بين دعم دولي للمعارضة أو تدخلات من قوى إقليمية مثل إسرائيل التي تعمل على استغلال هذه التحولات لصالحها.

ويبقى السؤال الأهم كيف يمكن للشعوب أن تتجاوز هذه الفوضى الإجابة تكمن في بناء مشروع وطني جامع يتجاوز الانقسامات العرقية والطائفية والسياسية ، يجب أن تكون هناك قيادة وطنية قوية قادرة على احتواء الجميع وفتح قنوات الحوار بين مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية والعمل على إعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل يضمن الشفافية والعدالة ويعزز سيادة القانون كما أن التعليم والإعلام يلعبان دورا رئيسيا في توعية الناس بأهمية المشاركة في بناء مستقبلهم بدلا من الانجرار وراء الصراعات أو الفوضى ، فالتعاون الإقليمي والدولي لإعادة الإعمار والاستقرار مهم أيضا لكن دون إملاءات خارجية تفرض على الشعوب مسارات لا تتوافق مع إرادتهم وأحلامهم الشعب يستطيع تجاوز الفوضى إذا تكاتفت الجهود الداخلية والخارجية لتحقيق الاستقرار والعدالة وتلبية احتياجات الجميع دون تمييز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى