“المحامون في سطور القضاء: الحل الفعّال لأزمة تراكم القضايا”
بقلم: أ/عمرو الريدي – المحامي
تعاني المحاكم في مختلف أنحاء العالم من أزمة تراكم القضايا بشكل غير مسبوق، وهو ما أصبح يشكل عبئًا ثقيلًا على القضاء. هذه الأزمة لم تقتصر على محاكم معينة، بل انتشرت في كافة الدوائر القضائية، سواء كانت جنائية، مدنية، تجارية، أو شرعية. وتتمثل المشكلة الأساسية في أن عدد القضاة غير كافٍ مقارنة بعدد القضايا والمتقاضين، مما يؤدي إلى تكدس غير مسبوق للمحاكم، وإضاعة الوقت والحقوق.
يعود السبب الرئيس لهذا التكدس إلى قلة عدد القضاة المتاحين للعمل، حيث يتم تعيين عدد محدود منهم سنويًا، بالإضافة إلى التوسع في تعيينهم من مصادر محددة، مما يحد من قدرة النظام القضائي على استيعاب هذا الكم الكبير من القضايا. ورغم اتخاذ العديد من الحلول لمحاولة حل هذه الأزمة، مثل إنشاء دوائر مسائية أو زيادة عدد الدوائر القضائية، إلا أن الضغط يظل قائمًا.
الحل القانوني: تعيين المحامين في المناصب القضائية
المثير في هذا السياق هو أن الحل لتلك الأزمة ليس بحاجة إلى تشريعات جديدة أو إجراءات معقدة، بل يكمن في تعديل الطريقة التي يتم بها تعيين القضاة. فالقانون المصري، وفي قانون السلطة القضائية تحديدًا، يضع أساسًا قانونيًا لذلك الحل. فقد نصت المواد الخاصة بالقضاء في قانون رقم 46 لسنة 1972 على شروط تعيين المحامين في المناصب القضائية، بما يضمن الاستفادة من خبراتهم العملية والقانونية.
تنص المادة 38 من القانون على أنه يمكن تعيين المحامين الذين يمتلكون الخبرة الكافية والتي يتم تحديدها وفقًا للمدة التي قضوها في ممارسة المحاماة، ليتقلدوا المناصب القضائية في مختلف المحاكم. فالمحامون الذين مارسوا العمل في محاكم الاستئناف مدة تتراوح بين 4 إلى 15 عامًا، طبقًا للدرجة القضائية، يستطيعون الترشح للوظائف القضائية المرموقة مثل القضاة ورؤساء المحاكم. وبالتالي، تتاح الفرصة لعدد كبير من المحامين المؤهلين لتولي هذه المناصب.
أثر تعيين المحامين على النظام القضائي
لا شك أن تعيين المحامين في المناصب القضائية سيكون له تأثير إيجابي كبير على سير العدالة. فمن خلال دمج المحامين ذوي الخبرة الطويلة في السلك القضائي، سيتمكن النظام القضائي من تقليص الضغط على القضاة الحاليين. حيث سيتولى المحامون جزءًا من القضايا، مما يقلل العبء عن القضاة ويسهم في سرعة الفصل في القضايا، مما يساعد على تسريع الإجراءات ويمنح القضاة الوقت الكافي لدراسة القضايا بعناية.
إضافة إلى ذلك، فإن تعيين المحامين سيقلل من تكدس القضايا، إذ سيقضي كل قاضٍ الوقت الكافي لتحليل كل دعوى قبل اتخاذ القرار، مما يعود بالنفع على العدالة ويزيد من جودة الأحكام القضائية. كما أن تطبيق هذه النصوص من شأنه منح القضاة قسطًا من الراحة، وبالتالي عدم التأثير سلبًا على سير القضايا.
تطبيق القانون لضمان العدالة
المثير أن المشرع قد سبق وأن وضع آلية واضحة لتعيين المحامين في المناصب القضائية، بل وأقر نسبًا محددة لهذه التعيينات. فقد نصت المادة 47 من قانون السلطة القضائية على ضرورة أن تكون نسبة المحامين في التعيينات القضائية لا تقل عن ربع العدد الإجمالي في المحاكم الابتدائية، كما نصت المادة نفسها على تعيين المحامين في المناصب العليا كالمستشارين، بموجب نسب محددة.
من هنا يتضح أن التطبيق الفعلي لهذه المواد سوف يسهم في حل الأزمة ويحقق العدالة بشكل أكثر كفاءة وسرعة. فتعيين المحامين في القضاء ليس مجرد مطلب قانوني، بل هو ضرورة عملية لتخفيف الضغط على النظام القضائي، وتوفير بيئة قضائية أكثر عدالة وسرعة في البت في القضايا.
الخاتمة
إن حل أزمة تراكم القضايا يحتاج إلى إرادة سياسية وقانونية لتطبيق النصوص التي نص عليها المشرع. فالمحامون هم جزء من الحل، ودمجهم في سلك القضاء من شأنه أن يعزز العدالة ويخفف الضغط على القضاة. من هنا، يعد تعيين المحاميين في القضاء خطوة ضرورية ليس فقط لحل الأزمة الحالية، بل لضمان عدالة أسرع وأكثر دقة.