أخبار مصر

“أسرار المسؤولية الجنائية للصيدلي: كيف يتحول الإهمال إلى جريمة؟”

“أسرار المسؤولية الجنائية للصيدلي: كيف يتحول الإهمال إلى جريمة؟”

بقلم الاستاذ : عمرو الريدي – المحامي

في عالم تتسارع فيه الابتكارات العلمية وتتزايد فيه الحاجة للرعاية الصحية المتخصصة، تبرز مهنة الصيدلة كركيزة أساسية في المنظومة الطبية. ومع ذلك، فإن هذه المهنة ليست بمعزل عن التحديات القانونية، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالمسؤولية الجنائية للصيدلي. فالصيدلي، بما يقدمه من خدمات تعتمد على الدقة والعلمية، يقع تحت مظلة قوانين صارمة تهدف إلى حماية الصحة العامة ومساءلة كل من يخرج عن قواعد الممارسة الصحيحة.

أساس المسؤولية الجنائية للصيدلي

تقوم المسؤولية الجنائية للصيدلي على التزام قانوني يحمّله العقاب حال ارتكابه خطأ أو إهمال يؤدي إلى نتائج إجرامية. هذا الالتزام لا يقتصر على الامتناع عن الأفعال الضارة، بل يشمل أيضًا ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر وفقًا للقوانين المنظمة لمهنة الصيدلة والأصول العلمية المتعارف عليها. فالخطأ الصيدلي لا يقتصر على مجرد مخالفة القواعد، بل يمتد ليشمل أي إخلال بواجبات الحيطة التي كان من الممكن أن تمنع حدوث الأضرار الناتجة عن الإهمال.

مصادر واجبات الصيدلي

تتعدد مصادر الالتزام التي يجب أن يتحلى بها الصيدلي، بداية من القوانين المنظمة للمهنة، مثل قانون مزاولة مهنة الصيدلة ولائحته التنفيذية، وصولًا إلى الأعراف والخبرات الإنسانية التي تكوّن أساسًا لممارسات المهنة. هذه الواجبات تمثل درعًا واقيًا للمجتمع من الأخطاء التي قد تضر بالصحة العامة.

لكن، ماذا لو أخلّ الصيدلي بهذه الواجبات؟ هنا تكمن المسؤولية. فالإخلال، سواء كان عن جهل أو إهمال، يضع الصيدلي في دائرة المساءلة القانونية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، عدم التدقيق في وصفة طبية تحمل جرعات خاطئة، أو بيع أدوية منتهية الصلاحية، أو تخزين مستحضرات صيدلانية بطرق تخالف القواعد العلمية مما يؤدي إلى تلفها.

العلاقة بين خطأ الصيدلي والنتيجة الإجرامية

لا تقوم المسؤولية الجنائية للصيدلي إلا بتوافر علاقة سببية واضحة بين الخطأ المرتكب والنتيجة الضارة. وقد اعتمد القضاء على نظرية “تعادل الأسباب”، والتي تقضي بأن أي سبب يؤدي إلى تحريك سلسلة الأحداث يُعتد به قانونيًا، حتى لو تداخلت معه أسباب أخرى. على سبيل المثال، إذا كان خطأ الصيدلي في بيع دواء غير صالح هو السبب الأول في حدوث ضرر للمريض، فإنه يظل مسؤولًا حتى لو ساهمت عوامل أخرى في تفاقم الضرر.

صور الإهمال الصيدلي

تتعدد صور الإهمال التي قد تضع الصيدلي في دائرة المسؤولية الجنائية، ومنها:

 • عدم الرقابة على الوصفات الطبية: مثل عدم التنبيه إلى أخطاء في الجرعات أو تفاعلات الأدوية.

 • بيع أدوية منتهية الصلاحية: سواء كان ذلك نتيجة إهمال أو علم مسبق.

 • الإخلال بقواعد تخزين الأدوية: كحفظها في أماكن لا تتناسب مع تركيبتها مما يفقدها فعاليتها.

 • تجاوز القواعد العلمية في تحضير الأدوية: ما يؤدي إلى نتائج ضارة بالمستهلك.

حالات انقطاع المسؤولية الجنائية

رغم ذلك، قد تنقطع علاقة السببية بين خطأ الصيدلي والضرر الناتج، مما ينفي مسؤوليته الجنائية. ومن أمثلة ذلك:

 1. خطأ المريض نفسه: كتناول جرعات زائدة رغم تعليمات الصيدلي.

 2. الحوادث الفجائية: التي لا يمكن التنبؤ بها.

 3. أخطاء طبية مستقلة: كأن يتسبب الطبيب في وصف علاج غير مناسب.

ختامًا: رسالة إلى الصيادلة

تأتي المسؤولية الجنائية للصيدلي كتذكير دائم بأهمية الالتزام بالدقة واليقظة في كل خطوة داخل الصيدلية. فالصيدلي ليس مجرد بائع للأدوية، بل هو شريك رئيسي في الحفاظ على صحة المرضى وسلامتهم. الالتزام بالقوانين والأصول العلمية ليس خيارًا، بل واجب مهني وأخلاقي، يضمن بناء الثقة بين الصيدلي والمجتمع، ويحميه من الوقوع في دائرة المساءلة القانونية التي قد تُعرّض مستقبله المهني للخطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى